عروبة الإخباري –
تدين الجبهة العربية الفلسطينية بأقسى عبارات الاستنكار وأشدها، التصريحات الإجرامية التي أطلقتها وزيرة الاستيطان في كيان الاحتلال الإسرائيلي، دانييلا فايس، والتي تجرأت فيها على الدعوة العلنية والصريحة إلى تهجير جماعي لأبناء شعبنا في قطاع غزة، مهددةً بحرمانهم من الماء والغذاء، ومعلنة بسادية استعمارية فاضحة أن “العالم سيتكفل باستقبالهم”، في تجسيد حي لسياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تنفذ على مرأى ومسمع من العالم.
إن هذه التصريحات لا تعكس رأياً فردياً أو زلة لسان، بل تعبر بوضوح عن العقلية الكولونيالية الاستعمارية المؤسسية التي تحكم كيان الاحتلال منذ نشأته على أنقاض شعبنا الفلسطيني. فهي ليست مجرد دعوة للترحيل، بل إعلان رسمي عن نوايا اقتلاع السكان الأصليين، وهي تكرار فج لمأساة النكبة عام 1948، حين طرد الفلسطينيون من ديارهم بقوة السلاح والمجازر، واليوم يراد لهم أن يطردوا من تحت الأنقاض والحصار والجوع.
تصريحات فايس تمثل اعترافاً صريحاً بجرائم الحرب الجارية في غزة، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال يستخدم سياسة التجويع الجماعي كسلاح لتحقيق أهدافه الاستعمارية، وهي جريمة واضحة وفق المادة (8) من نظام روما الأساسي. فحين تقول وزيرة في حكومة الاحتلال إنه “لن يعطى لهم طعام ولا شراب”، فهي لا تهدد فقط، بل تكشف عن برنامج إبادة منظم تنفذه إسرائيل بدم بارد وبغطاء دولي مريب.
إن صمت العالم على هذه التصريحات كما على مجازر الإبادة التي تطحن غزة منذ 18 شهرا لم يعد مجرد تقاعس، بل تحول إلى شراكة فعلية في جريمة العصر. والمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية أمام الإنسانية والتاريخ. إننا لا نطلب تعاطفاً، بل تحركاً فورياً لمساءلة مجرمي الحرب في المحاكم الدولية، وفرض عقوبات فاعلة على هذا الكيان الذي تجاوز كل خطوط الفاشية والعنصرية.
وفي مواجهة هذه الدعوات البشعة، تؤكد الجبهة العربية الفلسطينية أن صمود شعبنا هو السد المنيع أمام كل مشاريع التهجير. غزة، رغم كل الدمار والجوع، لا تزال تراباً مأهولاً بجذور عميقة، لا تنكسر تحت الحصار ولا تذعن للتهديد. من النكبة إلى النكسة إلى حروب التهجير المستمرة، لم يغادر الفلسطينيون أرضهم إلا مكرهين، ليعودوا بعدها أكثر تمسكاً، وأكثر وعياً بأن المعركة ليست فقط مع الاحتلال، بل مع مشروع اقتلاع هوية ووجود.
إننا في الجبهة العربية الفلسطينية نحمل حكومة الاحتلال بكل مؤسساتها السياسية والعسكرية المسؤولية الكاملة عن هذه الدعوات الفاشية، ونطالب المجتمع الدولي بأن يحول هذه التصريحات إلى ملفات جنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا أن يكتفي ببيانات الإدانة والتعبير عن القلق. فهذه اللحظة لا تحتمل المواربة، وما يقال اليوم على لسان وزيرة استيطان سيكون غداً سياسة تنفيذية ما لم يوقفه العالم.
وختاماً، نقول للاحتلال وللأسرة الدولية: إن من يعتقد أن غزة ستفرغ من أهلها واهم. ومن يظن أن الجوع سيكسر إرادة الفلسطينيين لا يعرف تاريخ هذا الشعب. فكل شهيد، وكل بيت مدمر، وكل طفل جائع، هو شاهد على جريمة لن تمحى، وبذرة صمود ستثمر جيلاً لا يعرف الهزيمة. فلسطين ليست أرضاً تنتظر الاحتلال، بل وطن يسكن شعبه حتى في أقسى الظروف، ولن تثمر فيه مشاريع الإبادة إلا الفشل والخزي