زهير ماجد/الحداد يليق بها

تبكي دمشق، بل سوريا كلها ذاك العالم الجليل البوطي .. بل تبكي كل شهدائها الذين تحولوا الى نجوم على صدرها، وتفخر الوطنية السورية ان جروحها النازفة لم تزل تعانق ترابها الوطني في مواجهة ذلك التكفير الذي حولها الى عزاء يومي.
ليس لأنه العالِم الذي يستحق جدارة الايمان بإسلامه، بل لأنه واحد من دعاة الوسطية في أشد فترات الوطن العربي السوري تطرفا.
وليس لأنه ذاك العالم الجليل الذي نقش علومه في حياة الدمشقيين، بل لأن علومه ساهمت في تحديث افكار وفي ارواء ظمأ متطلعين لعلومه.
فأين منظمة العمل الاسلامي التي لم تحرك ساكنا امام أحد رموزها الكبار، واين المنظمات الاسلامية كافة، انه العتب في لحظة امتزاج الغضب باحساس الحقيقة، ولا نملك غيرها في هذا الظرف المؤثر.
من الصعب الاستنجاد بتلك المنظمات التي فقدت لسانها، بعدما كادت ان تفقد هويتها، مع علمنا ايضا بان العالم الذي ضخ الفكر التكفيري في اجيال لم تعد تفقه غيره، لن يروعه سقوط عالم كبير من علماء الأمة.
انه الأسف المكمل لحديث الروح عن جاذبية ذاك العالِم الذي وقف دائما فوق منابر دمشق وتحديدا في الجامع الأموي يقدم باقة من الكلام الداعي لتصحيح مسار الصراع ولتوضيح اخطائه. لهذا السبب قتلوه، ممنوع في سوريا في هذه الايام وجود عالم بحجم البوطي، او مفكر يدعو الى السلامة الوطنية لأن المطلوب هو التجييش المذهبي والطائفي، والدعوة الى الفتنة وصنع الثغرات بين المسلمين كي يتدخل فيها جو الافساد والفساد الفكري.
حقيقة تبكي دمشق عالمها الذي عايشها كل تلك السنين متأملا ان ينزاح غيم الأسى الذي مازال مسيطرا منذ سنتين. وعندما تبكي عاصمة الأمويين، تئن القدس، ويرجف قلب العراق، وتتأوه بيروت، وتزفر القاهرة حزنا، بل تصاب عواصم اسلامية بالنشيج الذي له خاصيته.
لن تلبس دمشق أسودها، حزنها الدفين سوف تزأره عدم مغفرة لأولئك القتلة الذين صنعوا فيها كل هذا القتل الذي لايعرفون انه مقتلهم ذات يوم. فمن وسوس في صدروهم طبيعة ماهم فيه من تكفير وضلالة، سوف يرتد عليهم قريبا وسيكونون طعاما لنارهم .. فدمشق ابنة التاريخ الذي سرح في عمرها وقدمها على غيرها من كل بلاد الأرض كولاّدة دائمة لابناء بررة ولشعب قوي متجانس متعايش قادر على اغناء الانسانية بحضوره كما كان دائما عبر تاريخه.
اذا كان الحداد يليق بتلك العاصمة التي انسنت تاريخ المنطقة والعالم كونها الحضارة الأولى، فهذا يعني ان الثأر الذي تلبسه سيكون قريبا، بعدما استعجل اغبياء التاريخ نهايتهم، وبعض سفلته حكاية وجودهم على كل الارض.
تبكيه دمشق .. يبكيها كل من احبها.. تبتسم لغدها، الوحيدة التي تعرفه رغم الدماء والخراب والموت والأسى والقلق والسماء غير الصافية الملبدة بغيوم شهوة المتآمرين عليها.

شاهد أيضاً

رسائل بالأسلحة وردود راشدة* د.منذر الحوارات

عروبة الإخباري – غرق شهر نيسان هذا العام بالترقب والتوجس وتوقع ما هو أسوأ وربما …

اترك تعليقاً