عروبة الإخباري –
في سجلّ البطولات الأردنية الخالدة، تلمع أسماء رجالٍ حملوا راية الشرف والواجب، وصانوا كرامة الأمة في أحلك الظروف، ومن بين تلك القامات المضيئة، يسطع اسم الحاج عبد الكريم مصابر عبدالله محمد عساف جاسم محمد صبح العدوان (أبو مشهور)، أحد رجالات قبيلة العدوان الذين شكّلوا رمزًا للفروسية والنبل والولاء للوطن والعروبة.
المغفور له، أبو مشهور، ولد عام 1914م في تلاع العلي، حيث الأصالة متجذّرة في الثرى، وحيث تنمو الرجولة على مبادئ الشرف والكرم والشهامة. وفي بيئةٍ تتوارث الفداء كما تتوارث النَسَب، نشأ عبد الكريم العدوان، مؤمنًا بأنّ الوطن يُحمى بالفعل لا بالقول، وبأنّ الرجولة موقفٌ لا يُقاس بالعمر بل بالمواقف.
ويُسجل هنا كل الشكر والتقدير للمهندس محمد خلف العساف، الذي ينشر ويُوثّق كل ما يتعلق بتاريخ منطقة تلاع العلي وما حولها، في محاولة جادة للمحافظة على التاريخ، حتى تبقى الذكرى خالدة، ويُمكن البناء عليها في حاضر الوطن ومستقبله. لقد قدّم بجهوده هذه نموذجًا راقيًا في خدمة التراث والذاكرة الوطنية، فجزاه الله خير الجزاء على إيمانه بأن الأمم التي تحفظ تاريخها، تحفظ وجودها وهويتها.
فارس الميدان.. وجنديّ القدس
حين دوّى نداء العروبة عام 1948م دفاعًا عن فلسطين، كان الحاج عبد الكريم في طليعة من لبّوا النداء. شارك في معركة اللطرون (24 مايو – 3 يونيو 1948م)، تلك المعركة المفصلية في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي، حيث قاتل ضمن صفوف الجيش العربي الأردني بشجاعةٍ نادرة دفاعًا عن الطريق المؤدي إلى القدس الشريف، متحديًا نيران العدو، ومؤمنًا بأنّ من يدافع عن القدس إنما يدافع عن كرامة الأمة جمعاء.
ولم يتوقف عطاؤه عند اللطرون، بل واصل جهاده في معركة باب الواد (مارس – يونيو 1948م)، التي كانت امتدادًا لمعركة اللطرون على الطريق ذاته المؤدي إلى القدس، وهناك، قاتل جنبًا إلى جنب مع رفاق السلاح تحت قيادة القائد البطل حابس باشا المجالي، فسجّلوا أروع صور البطولة والصمود في وجه القوات الصهيونية، وحالوا دون احتلال المدينة المقدسة.
رجل الدولة والحكمة
بعد الحرب، واصل الحاج عبد الكريم العدوان خدمته في ميادين الوطن، فعيّن مفتشًا عامًا على الضفتين منذ عام 1954م وحتى 1962م. في هذا الموقع، عُرف بنزاهته وحكمته وسعيه الدائم للإصلاح بين الناس، فكان صوته مسموعًا وهيبته راسخة، يجمع بين صرامة الموقف ورحابة الصدر.
وفي المحيط العشائري، كان يُعد “منقع دم”، لما عُرف عنه من كرمٍ وشهامةٍ وحمايةٍ للمستجير. كان بيته مأوى للمحتاجين، ومجلسه مقصدًا لأهل الرأي، يجسد في سلوكه الموروث الأردني الأصيل: “الكرم في اليسر والعسر، والنجدة عند الشدة.”
إرث خالد
رحل الحاج عبد الكريم مصابر العدوان (أبو مشهور) في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017م بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء والبطولة والوفاء، تاركًا إرثًا خالدًا في ذاكرة الأردن وفلسطين، وإيمانًا راسخًا بأنّ الرجال مواقف، وأنّ الوطن لا يخلّد إلا أسماء من خدموه بإخلاصٍ وضمير.
لقد كان أبو مشهور أحد أولئك الذين بنوا مجد الأردن بعرقهم ودمائهم، فبقي اسمه شاهدًا على زمنٍ كانت فيه الرجولة فعلًا، والوطنية عقيدةً لا شعارًا. رحم الله الفارس النبيل، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن وطنه وأمته خير الجزاء.
