عروبة الإخباري – كتبت باتريسيا سماحة –
طلّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، الحكيم” من معراب، في زمن التقلّبات السياسية والرهانات المتضاربة، مصوّبًا على ملفّين سياديّين لا يقلّ أحدهما أهمية عن الآخر: تمثيل المغتربين اللبنانيين، وسلاح “حزب الله”. كلا الملفين ليس بجديد على طاولة النقاش، لكنّ جديد جعجع هو في نبرة التحدّي التي عبّر عنها بوضوح في لقائه الأخير مع الإعلاميين، والتي تحمل إشارات إلى احتمال فتح مرحلة مواجهة سياسية أشدّ حدة مما سبق.
بين الاغتراب والانتخاب… من يُقصي من؟
في موقفه الرافض لحصر تمثيل المغتربين اللبنانيين بستة مقاعد فقط، لم يكتفِ جعجع بالتوصيف السياسي للقرار، بل رفع السقف معتبرًا أن هذا الطرح هو تهميش مقنّع لشريحة واسعة من اللبنانيين. المغتربون – برأيه – ليسوا صندوق بريد انتخابي، بل شريك حيوي في تشكيل الهوية الوطنية والدفاع عن السيادة. هم الذين رفدوا الوطن بالدعم المالي في أقسى أزماته، فلماذا يُراد لهم اليوم أن يُختصروا بستة مقاعد رمزية، وكأنهم “درجة ثانية” في مفهوم التمثيل النيابي؟
هنا يُسجّل لجعجع أنه يُعيد فتح ملفّ طالما حاولت السلطة تمريره بهدوء: ملف تقييد صوت الاغتراب الذي أظهر في الانتخابات الأخيرة قدرة على التأثير وميلاً واضحًا نحو التغيير. رفضه لهذا الحصر لا يخلو من حسابات سياسية بالطبع، لكنه أيضاً يصبّ في خانة مواجهة التهميش الممنهج للدور الاغترابي، وهي نقطة تحسب له لا عليه.
سلاح حزب الله… الكلام إلى ما قبل الانفجار؟
أما في الملف الأكثر حساسية، أي سلاح “حزب الله”، فقد بدا جعجع أكثر تجهّماً، وأكثر وضوحًا في امتعاضه. انتقاداته المبطّنة لأداء رئيس الجمهورية – دون أن يسمّيه – تعبّر عن شعور عميق بالخذلان من موقع يفترض أن يكون حارسًا للسيادة لا شاهداً على تقويضها.
التلميح إلى “خطوات تصعيدية داخلية وإقليمية” ليس مجرد استعراض سياسي، بل رسالة مزدوجة: أولاً إلى الداخل اللبناني بأن الصمت الرسمي لم يعد يُحتمل، وثانيًا إلى المجتمع الدولي بأن ملف السلاح غير الشرعي لم يعد قابلًا للتجاهل في أيّ تسوية أو دعم مرتقب للبنان.
لكن، وهنا الملاحظة النقدية، يبقى السؤال: ما شكل هذا التصعيد؟ وهل تمتلك “القوات اللبنانية” وحدها أدوات كافية لإحداث تغيير في موازين القوى؟ أم أن ما يُحضّر هو جزء من مقاربة أوسع مع حلفاء إقليميين ودوليين؟ الغموض في هذه النقطة قد يُضعف وقع الرسالة، إلا إذا ترافق مع تحرّك فعلي في الشارع والمؤسسات.
في الخلاصة…جعجع في إطلالته الأخيرة بدا ثابتًا على خياراته، ومتمسّكًا بمبادئ “القوات” التي تأسست على فكرة الدولة، السيادة، والدستور. مواقفه تعبّر عن قلق حقيقي من الانزلاق نحو مزيد من الانهيار المؤسساتي والسياسي، وتؤشّر إلى استعداد للدخول في مرحلة مواجهة مختلفة، قد تكون أكثر صدامًا، وأكثر كلفة، لكنها بالنسبة إليه ضرورية.
وفي بلد تتآكل فيه المؤسسات وتُغتال فيه السيادة بالصمت أو التواطؤ، فإن أي صوت يعلو دفاعًا عن الكيان، ولو اختلفت معه في بعض التفاصيل، يبقى صوتًا يجب الإصغاء إليه
جعجع بين ثوابت السيادة وهواجس التمثيل: حين يرفض القفز فوق المغتربين ويتوعّد بالتصعيد
3