كتب سلطان الحطاب –
لن يستمر جرح غزة فاغراً حتى وإن طال زمن نزفها، وبقائها وحيدة، فغزة، لن تموت وهي لم تهزم اصلاً وأن كانت دُمرت، وأذكر برواية “الشيخ والبحر” لأرنست همنغواي، وخلاصتها “الانسان قد يدمر، ولكن ليس شرطاً أن يهزم”.
فقط غزة تريد موقفاً سياسياً عربياً أفضل، موقفاً كالموقف الأردني، الذي عبر عنه الملك عبد الله الثاني في برلمان ستراسبورغ الأسبوع الماضي، وكشف عن انحطاط القيم المستعملة التي أدت الى ما وصلت اليه غزة من تدمير وقتل بحرب الابادة، وأن الحرب عليها وعلى شعبها هي من أطول الحروب المعاصرة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
غزة لم تهزم ويستطيع العرب أن يفعلوا الكثير مما لم يفعلوه حتى الآن، يستطيعون أن يفعلوا قرارات القمم العربية التي عقدت في زمن الحرب والتي استمرت ما يقترب من عامين.
ألم يسأل أحد نفسه، كيف قاومت غزة أكثر من عشرين شهراً، والسؤال برسم الاجابة لمن يريد أن يعرف المزيد من الحقائق.
يبدو أن العالم لم يعد يتحمل ما يجري في غزة، حتى وإن لم يحرك ساكناً بما يكفي إزاء المأساة القائمة.
وإذا كانت التحليلات يمكن أن تفيد، فإن الادارة الأمريكية يمكنها أن تدبر حلاً، كما فعلت في الحرب الاسرائيلية – الايرانية، ويمكنها أن تنزل اسرائيل عن الشجرة.
الحروب التي خاضتها اسرائيل وكيلاً عن مصالح الولايات المتحدة، لم تنتصر فيها، وبقيت تعيش في مرحلة “الحاضنة”، فهي لا تستطيع أن تنتصر في حرب دون أن تدفع الولايات المتحدة لتخوضها نيابة عنهااو جوارها أو لتتحمل العبء الأكبر فيها، وحتى ايران التي غزتها اسرائيل بالطائرات وقامت الولايات المتحدة بضرب مفاعلاتها النووية، نيابة عن اسرائيل، ايران هذه لم تستسلم، واسرائيل تدرك ذلك رغم أن ماكينة الاعلام الاسرائيلية التي يشغلها نتنياهو الذي تعلم من غوبلز الكثير، وكان تلميذا وفيا له
وحتى تخرج غزة من حرب الابادة ومن الحريق بما بقي لها من أرواح وأطفال وشيوخ، فإنها بحاجة الى امتها ويكفي أن يكون موقف الأمة كموقف الأردن، وان جاء موقف الأمة متأخراً إذا لم يحدث شيئ.. لوقف الحرب حتى الآن.
يمكن ربط موضوع غزة بتسوية كبيرة، اعتقد أن الحرب انجزتها، وأن غزة التي ضحت قربت هذه التسوية للذين يؤمنون بالسلام.
فالرئيس الأمريكي الذي أنزل اسرائيل وايران عن الشجرة، قادر أن يفعل ذلك في غزة، ويبدو أن المقدمات بدأت تظهر، وان الرهان على موقف جديد أمريكي ودولي يمكن أن ينجح بعد حركة الشوارع العالمية والشعوب وكثير من الدول التي اعترفت بدولة فلسطينية، وقد رأينا تأجيل قمة من أجلها في واشنطن تشارك فيها السعودية وفرنسا ودول اخرى بدعوة من الامين العام للأمم المتحدة
لن تنجو اسرائيل من ما ارتكتب من جرائم وحرب ابادة، حتى وإن توفرت لها الى حين، مظلة الحماية الأمريكية، فالحقائق ستظهر وسيشهد العالم أنه سيدفع الثمن عن صمته على الابادة التي حفرت في وجدان شعوب العالم واحراره الكثير.الاثار
التحرك الأردني، الذي بدأ واضحاً في كلمة الملك أمام البرلمان الأوروبي هو مقدمة مميزة، ما زال الأردن يواصلها ويبني عليها، وما زال الموقف الملكي، يعكس الموقف الأردني الذي لم يتخلى عن دوره ولم يتراجع، والذي يحشد مواقف دولية في مواجهة حرب الابادة، كما ان موقف وزير الخارجية، أيمن الصفدي، يعكس الموقف الأردني المتوازن والوطني والمستلهم لتوجيهات الملك وكل ما عدا ذلك مما نسمع، هي متناقضات ومزايدات لا يؤخذ بها، وليست جديرة بالاعتبار.
المخاوف الأردنية من استمرار العدوان الاسرائيلي واضحة، وشدد عليها الملك أمام العالم وأمام الأردنيين، الذين دعاهم للدفاع عن بلدهم ورفض التشكيك في مواقفه والإمساك بمصالحه.
في الأردن لا يمكن للأردنيين وقيادتهم، مهما كانت الظروف قاسية وقاهرة، ومهما كان العدوان قاس والخيارات محدودة، أن يتراجع أو يفرط، بل إن صبر الأردنيين وإيمانهم العميق بأنفسهم وبتاريخهم وقيادتهم، ومعرفتهم بطبيعة الحركة الصهيونية وعدوانها، كما كان الملك الراحل الحسين يقول، يدفعهم للتمسك بمواقفهم.
لا يفضل الأردن، الشعارات والمزايدات والصخب، لكنه يعمل بأصله وبما يحس به شعبه الذي ظل لصيقا في مواقفه بالقضية الفلسطينية، يضحي من أجلها، لأنها قضيته الاولى وجزء أساسي من أمنه، ولعل النموذج الذي يمكن أن يقدمه الأردن في تضحياته كمثال هي معركة تل الذخيرة) في القدس عام 1967، حين اشتبكت كتيبة الحسين الثانية في واحدة من سراياها في الشيخ جراح مع لواء اسرائيلي مدجج بالطائرات والمدافع، واستشهد من السرية، الأردنية 97 جندياًوضابطا من أصل 101،
هذا هو الأردن ولن يكون غير ذلك مهما طال الزمن وانفض الكثيرون أو ارتفع صوت المعارك، وسيكون الأردن الى جانب غزة وسيكون أول من يمسح جراحها ورؤوس أطفالها، فانتظروا، وليخرس المزايدون والمناقصون الأوغاد.