عروبة الإخباري – ما أن يطلق شخص ما ،أياً كان هذا الشخص، أو صحيفة، أو اذاعة أو موقع تواصل اجتماعي،أو مباراة، يطلق جملة أو عبارة ،أو تصريحاَ أو مقالاً ،أو صورة أو فيديو، يحمل في طياته شيئا من الانتقاد أو الاساءة الى المجتمع بعمومياته أو لبعض مكوناته، حتى ينتشر ذلك التصريح، أو تلك العبارة، في المجتمع انتشار النار في الهشيم. وتظهر حالات من الاستقطاب و الاستنفار والتوتر في كل مكان . وسواء كان الموضوع حديثا معاصراً ،أو قديما يعود الى مئات السنين ،فان الانفعال والاستعداد للاقتتال هو نفسه. وسواء قال العبارة ابو لؤلؤة المجوسي ،أو عميل مخابرات اسرائيلي، أوشاعر يندب حظه في مدينة ما،أو لاعب كرة لم يسجل الهدف الذي يريد، فان التحفز للانفعال الجماعي و للتوتر جاهز و كأن حربا قد تم اعلانها. حرب تختبئ خلف كلمة أو صورة أو رسمة أو اغنية أو مباراة رياضية. و هذا كله يعكس حالة من الاحباط و الخلل المجتمعي الخطير.
ان ما يجري في العراق و اليمن وسوريا وليبيا وغيرها مثلا، من اثارة للحقد والكراهية، والانقسام والاصطفاف، وما يجري فيها من اقتتال وتدمير يقوم في معظم الاحيان، ان لم يكن في كلها،على تمويلات أجنبية، و ترويجات دعائية شعبوية، يروجها السياسيون و العملاء والمرتزقة والمغرر بهم من عامة الناس. وغالبا ما تستند هذه الترويجات على الصورة الكلامية التي ينسبها فريق الى آخر، وطائفة الى أخرى، وحزب الى أحزاب ،وسياسي الى منافسيه، متناسين واقع العصر الذي يقوم على العمل والانتاج والتفوق والابداع، وليس الكلام والشعر والصورة، مطمئنين الى سذاجة الاستجابة المجتمعية التي لا زالت بعيدة عن التفاعل مع تغيرات الزمان والمكان، مبعدة عن المشاركة في التغيرات الكبرى، سابحة في بحار من الكلام يعود بها الى غياهب الماضي.
هل تكشف هذه الحالة التي تعم المنطقة العربية بأسرها ضعفاً في التربية الوطنية؟ وغياب مفهوم الوطن الواحد والمجتمع الواحد؟ مهما كانت مكوناته وثقافة هذه المكونات؟ هل يكشف عن ثقافة الكراهية ورفض الآخر؟ التي تغلغلت في الشخصية العربية بتأثير السياسة والاعلام والأموال السوداء ومدعي العلم والسياسة والمعرفة بل والدين؟، ففقدت الشخصية العربية قدرتها على التمييز بين الكلام و بين الفعل وفقدت قدرتها على الترفع عن توافه المسائل على حساب عظائم الأمور وفقدت التسامح الداخلي والانفتاح والتفاعل البناء مع الآخر في وطنها على أساس المشاركة والثقة المتبادلة والمواطنة والانسانية.
كان نيلسون مانديلا يقول: « يولد الانسان وهو لا يحمل الكراهية لأحد، سواء لونه أو جنسه أو اصله أو عقيدته. وانما يتعلم الناس الكراهية تعلما من البيئة ومن الآخرين».. ويتابع مانديلا» اذا كان من الممكن تعليم وتعلم الكراهية ،فمن الممكن ايضا أن يتعلم الناس المحبة لان المحبة تأتي طبيعية واقرب الى قلب الانسان».
ففي الوقت الذي نجح الساسة من أصحاب السلطة و المال في اعاقة الديموقراطية و منع المشاركة و افشال الأحزاب الوطنية و اضعاف المواطنة و تقديم الولاء للسلطة على الولاء للدولة والوطن، فان منظومات التربية والتعليم ومنظومات الثقافة والفنون ومنظومات الاعلام والنشاطات الشبابية فشلت في تعليم الترفع عن الصغائر و في تعزيز التسامح و المحبة للآخر. بل ربما نجحت في تعليم الكراهية من خلال المواد والنشاطات المتنوعة الظاهرة والخفية التي تنتشر في فضاءات العالم العربي. هل يعقل أن يصبح «باراك اوباما» المهاجر الاسود (مع الاحترام للجميع) المنحدر من اب مسلم يصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية فقط بعد خمسين سنة من انهاء حالة التمييز العنصري في امريكا؟ في حين أن العرب لا زالوا يقتتلون ويتذابحون ويدمرون اوطانهم ومستقبلهم على اساس اختلاف الدين أو المذهب أو الطائفة أو القومية أو الثقافة أو حتى الرأي أو الكلمة. هل كان من الممكن أن تحدث مثل ظاهرة أوباما في اي قطر عربي ؟ لماذا ؟
أن ثقافة الكراهية، وهشاشة الموقف من الآخر، وجرثومة استعداء المواطن تعود الى أسباب كثيرة لعل في مقدمتها أولاً: غياب الأحزاب السياسية الوطنية والتي بطبيعتها تشكل بوتقة اجتماعية فعالة، و ليس مجرد تجمع سياسي يسعى الى السلطة. ثانياً: عدم اهتمام المؤسسات التربوية والثقافية «باخراج العقل المجتمعي من وهميات الكلام الى انتاجية الفعل». ثالثا عدم اكتراث المدرسة والجامعة بموضوع «الانسجام والتوافق المجتمعي» ليكون جزءا اساسيأ من النشاطات اللامنهجية للطلبة والشباب في وقت مبكر.رابعا: غياب خدمة العلم التي تضع الناشئة في عملية تفاعلية وطنية ايجابية وتكسر حواجز النفور والانفلات ليحل محلها روح الفريق والثقة والواقعية في العمل.خامسا: حالة البطالة والاحباط عموما لدى الشباب ليصبحوا مستعدين لدخول معارك ضد الآخرين لأي سبب. سادسا غياب الديموقراطية المؤسسية المستقرة، وانزلاق القوى السياسية في استقطابات هدفها المكاسب والمواقف. سابعاً: ضآلة الاهتمام بنشر الأوجه الايجابية لمكونات المجتمع ممثلة في الانجازات والفنون التي تظهر الجوانب الجمالية للمجتمع ومكوناته وتكسر حاجز الخوف والتشكك في الآخر.
هل تشكل هذه الحالة «صدمة قوية ومنبهة» للمثقفين والتربويين والسياسيين أم أنها مسألة لا تستحق الالتفات اليها؟ لانها في نظر البعض عادية .انه لا يمكن لمجتمع سريع «التباغض»و «التكاره» و «التقاطع» تستحوذه رؤى الماضي اكثر من واقعية الحاضر، وتحركه الكلمة اكثر من الفعل، وتوقظه الكراهية اكثر من المحبة، لا يمكن لمثل هذا المجتمع أن يتقدم الى الأمام لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الارتقاء الوطني والانساني؛ لأن طاقاته الجمعية ستكون مستنفذة و مبددة في النزاعات والانقسامات والتشككات، ويفسد الكثير من ايجابياته المال الأسود والكلمات والقصص والافتراضات.
هل يمكن تغيير هذه الحالة ووضع حد لهشاشة الثقة المجتمعية ولثقافة الكراهية والتنافس السلبي؟ ذلك هو التحدي.