لا يقوم التمكين الديموقراطي بمجرد الدعوة اليه، ولا حتى بالتنظير ووضع الوصفات وانما بإعادة صياغة المجتمع كله على قاعدة المشاركة في القواسم المشتركة ولذا لا بد من استكمال بناء المجتمع المدني بمكوناته المعروفة اذا ما أردنا التمكين الديموقراطي لأنه لا ديموقراطية بدون أحزاب سياسية ولا أحزاب بدون مجتمع مدني يفرزها ويؤسس لها.
ما أطلقه الملك من أفكار في الأوراق النقاشية الأربع لا بد أن تتمخض عن رؤية مشتركة ولا بد لمؤسساتنا العامة أن تحفل بذلك على قاعدة أن هذه المساهمة تثري إلى حد كبير المسيرة الاصلاحية وتفتح لها آفاقاوتخلصها من المراوحة والتردد الانتكاسات.
التمكين الديموقراطي لا ينمو الا في بيئة تتوفر فيها الشروط الديموقراطية فالعلاقة ما بين البيئة والتمكين علاقة جدلية متداخلة حتى يكون التغيير ثمرة..
تأتي أهمية الأوراق الملكية الآن وهي تتكامل لتصيب الحوار الذي يبدأ مع طرح مشروع جديد لقانون الانتخاب بدأ يتبلور وهذا المشروع لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار التجربة الأردنية الماضية كلها وأن يشير إلى مواقع الخلل والاعتراض عليها وأن لا يقفز عن الواقع أو يتجاهله أو يرهنه لأقلية لا تريد التغيير أو أقلية لا تؤمن بالتغيير أو أخرى لا ترى جدوى من التغيير.
النموذج الديموقراطي الأردني ما زال بحاجة إلى الكثير من العمل والإرادة لسد الكثير من الثغرات والفجوات وجعله قادراً أن يحمل المجتمع إلى دولة القانون والمؤسسات وإلى علاقات الانتاج والتكامل والاعتماد على النفس فهذا النموذج كان وما زال بحاجة إلى برنامج التمكين وإلى مضامين الاوراق الملكية كلها سواء تلك التي ناقشت المكونات السياسية والاجتماعية أو التي توقفت عند مفهوم المواطنة وكيف يمكن بناؤها..
ما زالت فئات اجتماعية وتعبيرات نافذة منها تهرب إلى الأمام وما زالت أخرى تديم شد الحبل إلى الخلف وترهن التطور لرؤيتها ومصالحها الضيقة وما زالت الأغلبية العظمى تتطلع للخلاص وعليها أن تتسلح بأدوات الخلاص وأن يمكن لها بكل الوسائل الديموقراطية تتجاوز الحالة القائمة..
ثمة مشاكل عديدة تعيشها بلادنا منها ما هو اقتصادي وآخر اجتماعي وحتى سياسي وبعضها له علاقة بالتراكيب المتوارثة أو الصيغ المستعملة سواء في قانون الانتخاب برمته وما يعنيه من مقاعد ودوائر ونسب أو بنظام بناء العدالة والحقوق والواجبات وهذا ما رصدته الورقة الملكية الرابعة وهي تتحدث عن المواطنة الفاعلة واعتبارها مسؤولية وواجباً وشرط أساس لتحقيق التحول الديموقراطي.
لا يمكن حل الاشكالات المزمنة وحتى الطارئة الناتجة عنها إلا بالحوار الجاد المفضي لنتائج والمتطلع لمشاركة الجميع وليس مجرد الكلام أو الخطاب أحادي الاتجاه أو الذي يستهدف الاستهلاك أو ادارة الأزمة خاصة وأن الربيع العربي حمل اعراضا انعكست أيضاً على الواقع الأردني وتتطلب معالجتها المزيد من الانفتاح الواعي والشفافية والامساك بتطبيق القانون بعدالة.
يناقش البرلمان قانون انتخاب جديدا في الأيام القادمة وكان عليه أن لا يتأخر في مناقشته فهذا القانون له الأولوية كما أن الصيغة الجديدة لا بد أن تكون فارقة وأن تحمل من المعطيات ما يقنع أطراف العملية الاصلاحية والسياسية كلها أن هناك جدية وتغيرا وارتقاء ورغبة جادة في بناء مجتمع المواطنة والا عدنا لاستهلاك الوقت الذي لم يعد استهلاكه في صالح الدولة أو الصالح الوطني العام..علينا أن نتعلم كيف نستفيد من الأخطاء وكيف تكون عندنا القدرة على التضحية من أجل التوافق حتى لا نبقى نتوزع بين من يكسب ومن يخسر لأن التوزع فيه خسارة!!
سلطان الحطاب/عن الرؤية الملكية في التمكين الديموقراطي.. «3»
19
المقالة السابقة