خالد الزبيدي/المحاسبون يتابعون ولا يصنعون التنمية.

ينطبع في ذهن أي مراجع للدوائر المالية في شركات ومؤسسات القطاعين الخاص والعام أن المحاسب عاقد الحاجبين، مطرق يدقق، وسرعان ما يرفض الدفع، ويحقق بعض المحاسبين نصرا وهميا على المراجعين عندما يرفض المعاملة، أو تأجيل دفع الحقوق، والأغرب من ذلك ان نجد صاحب العمل او المسؤول يثني ضمنيا على سلوك المحاسب المعطِّل للناس وتأخير حقوقهم، وفي هذا التأخير بعض المكاسب للشركة او المؤسسة أو الوزارة، وينسى صاحب القرار والولاية للشركة ان هناك ضررا بالغا بسمعة الشركة او/و المؤسسة، ولو كان لدينا في السوق الاردنية قانون لتصنيف الشركات والمؤسسات والافراد ائتمانيا لاختلفت الامور، وحرص الجميع على سلامة تصنيفهم الذي ينعكس عليهم في السوق.
ما تقدم ضروري، ونحن نتابع بمرارة وألم شديدين أن قرارات الحكومات تنقاد أعمالها.. الى محور واحد هو معالجة عجز الموازنة وادارة الدين العام، ومحور الرد على العجز والدين العام المتفاقم ينطلق من زيادة الضرائب ورفع الاسعار وابتكار اليات هدفها الاول والاخير هو زيادة الايرادات المالية للخزينة، ورغم السياسات المالية والضريبية التي نجحت بزيادة الايرادات كأرقام مطلقة، فإن عجز الموازنة والدين العام واصلا الارتفاع متجاوزين الحدود الآمنة، وتقف السياسات المالية عاجزة أمام «كرة ثلج» تتضخم يوميا وتتسارع مخاطرها على الاقتصاد والمجتمع الاردني.
منذ العام 1992 مع انطلاق مسلسل برامج التصحيح الاقتصادي بإشراف وشروط مؤسسات التمويل والتنمية الدولية حتى يومنا هذا لم نحقق التنمية المطلوبة، 22 عاما من الضغط على المواطنين وتحولنا من اخفاق بلوغ تنمية مستدامة الى اقتراض من رصيد الأجيال القادمة ومستقبلها ومعيشتها التي لا نعرف كيف ستكون، الآباء والأجداد كانوا يزرعون ويصنعون ليجنى ابناؤهم واحفادهم، أمَّا نحن فقد تحولنا إلى من يستهلك بالاقتراض على حساب الابناء والاجيال القادمة، والطريق التي نسير فيها باتت واضحة المعالم، ويقينا أنها غير آمنة بالمعاني المالية والاقتصادية الاجتماعية.
تاريخيا…وبحسابات الأرقام فإن 100 عامل أو فني أو مزارع يحتاجون الى محاسب او اثنين، لحساب احتياجاتهم، وجمع وطرح انتاجهم في نهاية النهار او الموسم، وليحسب كم يتقاضون من اجور وحقوق، وهذه الصورة تشير بوضوح الى ان من يُحسِّن معيشة الناس ويرفع القيمة المضافة هو من ينتج، أما أصحاب الهندسة المالية فقادوا دول العالم الى ديون جارفة، وما تابعناه في آسيا ونمورها، وأزمة الرهونات العقارية والمالية 2006/ 2008 في امريكا، والديون السيادية في منطقة اليورو، لديها عنوان واحد …هو «أصحاب الحلول المالية»، والحل دائما كان يأتي من أنشطة الاقتصاد الحقيقي.
لذلك لن تستطيع الحكومات والادارات قيادة الاقتصاد بالاعتماد على محاسبين وجباة ومرابين، يجيدون الجمع والطرح والتقسيم والضرب واستخلاص النسب المئوية والعشرية، بينما يجب ان ينطلق الحل من الاقتصاد الحقيقي ومشاريع مدرَّة للدخل وموفِّرة لفرص العمل والتصدير، و دون ذلك سنستمر بالدوران في حلقة مفرغة.

شاهد أيضاً

هل تتحكم إسرائيل بالقرار السيادي الأميركي؟* د. سنية الحسيني

عروبة الإخباري – ظهر نتنياهو قبل أيام في مقطع فيديو مصور يحث فيه الإدارة الأميركية …

اترك تعليقاً