في ذكرى يوم الأرض والكفاح المُتجدّد/علي بدوان

” إن فلسفة التهجير القسريّ، التي انتهجتها الحركة الصهيونية لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين, استندت لتوصيات تَحَدَثَ عنها تيودور هيرتزل في كتابه “الدولة اليهودية”, حين أكَّدَ على دعم الغرب الاستعماري لمشروع “الدولة اليهودية”، وبالتالي في إمكانية تهجير الفلسطينيين من وطنهم إلى الدول المجاورة وتشجيع الاستيطان اليهودي، وتسهيل سيطرة اليهود على الأرض تمهيداً لبناء “الدولة اليهوديّة”، ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَمُرُ الذكرى الثانيةٍ والأربعين ليوم الأرض في فلسطين، ومنطقة الشرق الوسط برمتها تعيش لحظاتٍ صعبةٍ وحرجة، حيث يتواصل الكفاح الوطني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وداعميه، وعلى اتساع مشاريعهم التي لم تتوقف من أجل تصفية القضية الوطنية التحررية العادلة للشعب الفلسطيني.
تَمُرُ ذكرى يوم الأرض، والكفاح الفلسطيني يتواصل بالرغم من حدة الهجوم الضاري الذي يَستهدف الأرض والشعب في فلسطين، منذ بواكير الهجمة الاستعمارية الصهيونية، حيث أعلن الفلسطينيون في الثلاثين من شهر آذار/مارس 1976 انكسار وهزيمة مشروع “الأسرلة” الصهيوني لمن تبقى من أبناء فلسطين على أرض وطنهم المحتل في مناطق العام 1948.
وفي العودة للوقائع التاريخية، شكّلت عمليات الترانسفير والتطهير العرقي، والاستيلاء على الأرض، المسار الرئيسي للحركة الصهيونية التي رأت أن نجاح مشروعها في إنشاء “الدولة اليهودية” على أرض فلسطين، يَكمُنُ في طرد المواطنين الفلسطينيين من ديارهم وإحلال موجات اليهود القادمين من كافة بقاع الأرض عوضاً عنهم. حيث استطاعت الحركة الصهيونية وبعد أقلِ من خمسةِ عقود من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية من إنشاء “الكيان الصهيوني”على أنقاض الكيان الوطني للشعب العربي الفلسطيني، وعلى نحو (78%) من مساحة أرض فلسطين التاريخية والبالغة (27009) كيلومترات مربعة، مع طرد نحو (900) ألفاً من الفلسطينيين خارج أرض وطنهم التاريخي.
ومنذ تأسيسها، اعتبر ساسة وقادة “الدولة الصهيونية” أن بقاء كتلة سكانية من المواطنين الفلسطينيين فوق أرضهم في المناطق التي احتلت عام 1948 خطراً عليها، فانتهجت حيالهم استراتيجية مدروسة، استهدفتهم واستهدفت بقاءهم ووجودهم، كما استهدفت أرضهم، وقامت على التمييز العنصري لدفعهم نحو الرحيل وإفراغ الأرض منهم.
إن فلسفة التهجير القسريّ، التي انتهجتها الحركة الصهيونية لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين, استندت لتوصيات تَحَدَثَ عنها تيودور هيرتزل في كتابه “الدولة اليهودية”, حين أكَّدَ على دعم الغرب الاستعماري لمشروع “الدولة اليهودية”، وبالتالي في إمكانية تهجير الفلسطينيين من وطنهم إلى الدول المجاورة وتشجيع الاستيطان اليهودي، وتسهيل سيطرة اليهود على الأرض تمهيداً لبناء “الدولة اليهوديّة”، حيث سعى خلفاء (تيودور هيرتزل) بكل السبل للتخلص من الفلسطينيين, عبر الإرهاب المنظم وارتكاب المجازر في عشرات المدن والقرى الفلسطينية قبل وأثناء وبعد نكبة العام 1948.
وبعد أن حققت الحركة الصهيونية نجاحاً في تكوين عصابات عسكريّة أرهبت الفلسطينيين قبل العام 1948وصلت إلى نتيجة تقضي بضرورة وضع مخطط شامل للترحيل والتطهير العرقيّ للفلسطينيين عُرِفَ بـ”خطة دالت”(الخطة الرابعة) قبل الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني تحت اسم دولة “إسرائيل”. وهدفت الخطة آنذاك إلى تنفيذ تطهير عرقيّ وتهجير الفلسطينيين من معظم القرى والمدن التي احتلتها بالقوة, وخلق أجواء رعب وخوف لدفع المواطنين الفلسطينيين للخروج من وطنهم.
وهكذا شَهِدَ التاريخ المعاصر للبشرية، أكبر عملية تفريغ وهدم وتهجير وتطهير عرقي بموجب هذه الخطة المسماة خطة (دالت أربعة) والتي أشرف على تنفيذها عتاة القادة الصهاينة مثل (ديفيد بن غوريون، ليفي اشكول، غولدا مائير، اسحق رابين، ايغال آلون….). فقامت على أنقاض الشعب الفلسطيني “دولة إسرائيل” التي تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بالقوة وباستيراد البشر من كل مكان واستيطانهم بعد إجلاء وسلب الأرض من أصحابها الشرعيين.
في السياق ذاته كان الجنرال إسحاق رابين قد كَشَفَ في كتابه (ملف خدمة) الصادر قبل سنواتٍ طويلة بعد النكبة، كَشَفَ عن وقائع طرد أبناء الشعب الفلسطيني من على أرضهم، حيث كان إسحق رابين ضابط عمليات قوات البالماخ الصهيونية (الصاعقة) التي احتلت وسط فلسطين في منطقة اللد والرملة، وأشرف رابين شخصياً على طرد أكثر من (80)ألف فلسطيني من تلك المنطقة بالمذابح وقوة النار. وفي الوقت الذي قاد فيه إيغال ألون حملته على لواء غزة وبئر السبع، ولاحقاً لواء الجليل ومدينة صفد، بعمليات الترانسفير التي تواصلت على امتداد الأرض الفلسطينية عشية نكبة 1948.
وفي الحديث المباشر عن الأرض الفلسطينية، وعن عمليات التهجير والإجلاء القسري للفلسطينيين عن أرض وطنهم عام 1948، والاستيلاء الكامل على أملاكهم فضلاً عن إعلان قيام الدولة العبرية على أجزاء واسعة من أرض فلسطين، من المهم الإشارة الى الوثائق البريطانية والملف الدولي للاجئين رقم (245) الصادر في لندن عام 1993، ففي عام 1947، وقبل تقسيم فلسطين كان عدد سكان فلسطين مليون و(450) ألف نسمة من المواطنين العرب الفلسطينيين، وبملكية عربية للأرض الزراعية والعقارية تتجاوز مساحتها (26,5) مليون دونم، ونحو (450) ألفاً من اليهود جاء معظمهم حديثاً إلى فلسطين في تلك السنوات، بفعل الهجرة المدروسة والتي قامت بها وسهلتها بريطانيا ودول الغرب، ولم تتجاوز ملكيتهم سوى (95) ألف دونم من الأرض، فمعظم اليهود دخلوا إلى فلسطين خلال مرحلة الانتداب البريطاني.
وبعد قرار التقسيم وبفعل الهجرة اليهودية المتواصلة أصبح اليهود يشكلون (23%) من السكان لكونهم مواطنين فلسطينيين، والعرب (67%)، بملكية عربية تبلغ (25) مليون دونم. أما الأرض التي تم استملاكها من قبل اليهود بعد تقديمها من قبل سلطات الانتداب البريطاني للوكالة اليهودية، وهذا مايُشير إليه ملف المفوضية البريطانية في القدس والملف الدولي للاجئين رقم (245) الصادر في لندن، حيث بلغت مساحة هذه الأرض (581) ألف دونم من إحدى عشرة مدينة.
ومع نكبة فلسطين عام 1948 فقد تم تهجير واقتلاع وتدمير (532) قرية وبلدة ومدينة فلسطينية، وتم مسح عدد كبير منها من الوجود وأقيم مكانها المستعمرات والمدن الاستعمارية اليهودية. بينما تشتت الفلسطينيون الذي غادروا بيوتهم وممتلكاتهم بفعل عمليات الطرد والتطهير العرقي، باتجاه مواقع الشتات المعروفة (لبنان + سوريا + الأردن + الضفة الغربية والقدس + قطاع غزة).
إنَّ قضية الأرض واللاجئين الفلسطينيين الذي تم إقتلاعهم وتشريدهم عام النكبة، هي القضية الأساس، وتُشكّل لب وجوهر الصراع مع المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. فلاحلَّ مُمكن، ولا تسوية سياسية، ولا “صفقة قرن” ممكنة، دون توفير الحل العادل لقضية لاجئي فلسطين وفق الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وخاصة منها القرار 194 الصادر عام 1948 والذي تحدث عن حق العودة للاجئي فلسطين.

علي بدوان كاتب فلسطيني دمشق/اليرموك

شاهد أيضاً

الإعلامية سارة علي لا ترضى إلا أن تتذوق طعم النجاح

عروبة الإخباري – هناك قول، عن النساء صاحبات البصمة المميزة في الحياة العملية، والنجاح مع …

اترك تعليقاً