د.صلاح جرار/الجرأة والموضوعية

يمثّل تلازم الموضوعيّة والجرأة صورةً متقدّمة من صور التحضّر، وذلك لأنّ اقترانهما يحقق الفائدة لهما معاً، وأنّ افتراقهما يفقد كلّاً منهما قيمته وفائدته ويلحق بهما ضرراً فادحاً.
والجرأة هي عدم التردّد في القول أو الفعل ومواجهة الآخرين بما يعتقد الشخص أنه حقّ، غير أنّ هذه الجرأة إذا خلت من روح النزاهة والموضوعية والتجرّد ومعرفة الحقيقة وامتلاك الأدلّة الكافية والمقنعة، فإنّها تصبح شكلاً من أشكال التهوّر والتسرّع والاندفاع الذي يضرّ بصاحبه مثلما يلحق الأذى بالأشخاص الذين يكونون في مواجهة هذه الجرأة الموهومة.
ويقال الشيء نفسه عن الموضوعية التي تعني التجرّد التام من المواقف المسبقة والأوهام، وتعني استخدام المعايير والقبول بما تفرزه هذه المعايير، وتعني تجنب إصدار الأحكام أو الاتّهامات من غير وجود أدلّة وبراهين وشواهد، وتعني عدم الاكتفاء بالانطباعات والأحاسيس أدلّة لما يعتقده المرء، فإنّ مثل هذه الموضوعية بما تعنيه من عدلٍ وإنصاف ونزاهة ومعرفة مؤكّدة للحقائق، ستصبح بلا معنى أو قيمة ما لم تصاحبها جرأةٌ في قول هذه الحقيقة ونشرها، وتصبح كالعلم الذي لا ينفع إذ هو لا يعدو أن يكون هدراً للوقت وإضاعة للعمر وتبديداً للجهد دون فائدة تذكر.
وحتّى يكون للجرأة دورها الفاعل في تحقيق الهدف منها، وحتى لا تنقلب فوائدها إلى مضارّ، لا بدّ لها أن تصاحبها موضوعية تحميها وتعزّزها وتجعلها أكثر إقناعاً وتأثيراً، وأن يصحبها تجرّد من المصالح والدوافع الشخصية.
وكذلك يقال عن الموضوعية – بأبعادها المعرفية والأخلاقية – فإنّها لن تكتسب قيمتها ما لم توظّف بجرأة في معرفة الحقائق وكشفها ونشرها واستخدامها لتصويب المسارات الخاطئة وإصلاح الفساد والخلل ومنعه قبل وقوعه وبعد اكتشافه.
إنّ اقتران الموضوعية بالجرأة ضروري لكليهما، لأنّ كليهما يحمي الآخر ويحصّنه ويعزّز من مكانته ودوره، ومتى امتلك صاحب القول الجريء أو الرأي الجريء موضوعيته وأدلّته، فإن ذلك يجعله أكثر جرأة وإقداماً. فالموضوعية والنزاهة والإنصاف عاملٌ رئيسيّ وقويّ من عوامل الجرأة في قول الحقّ ومواجهة الباطل.
إنّ زيادة التقارب بين الجرأة والموضوعية يدلّ على زيادة تحضّر المجتمعات التي تشهد هذا التقارب، كما أنّ اتّساع الفجوة بينهما هو مؤشّر خطير يدلّ على انحدار المجتمع وتراجعه وتخلّفه وفقدانه لعامل أساسيّ من عوامل توازنه وتماسكه واستقراره.
salahjarrar@hotmail.com

شاهد أيضاً

في يوم العلم* العنود إسماعيل أبو الراغب

عروبة الإخباري – علم يرفرف في الآفاق شامخ في سماء وطن العروبة والإفتخار، خافق بالإعتزاز …

اترك تعليقاً