ليس من السهل أن يكتب الروائي مدينةً بأكملها، وأن يرسم ملامحها الثقافيّة والروحيّة والسياسيّة دون أن يغرق في الوثيقة أو يتخلى عن جمالية الحكاية. لكن هذا ما تنجح فيه الكاتبة شهلا العجيلي في روايتها الجديدة (غرفة حنّا دياب)، حيث تمسك خيوط قصّة حبّ نشأت في تسعينيّات القرن العشرين، لتحوّلها إلى مادّة روائية نابضة بالتاريخ، والفنّ، والهوية.
في قلب حلب، تتفتّح الرواية على فضاء غنيّ بالتفاصيل: من خان العلبيّة الذي سكن فيه قنصل إيطاليا، إلى بيت (حنّا دياب) الراوي الذي منح «ألف ليلة وليلة» طيفًا عالميًّا عبر ترجمات أنطوان غالان، تستدعي الرواية شخصيّات مركّبة، وأزمنة متداخلة، لتقدّم لنا صورة بانورامية عن التحوّلات التي عصفت بسوريا، وعن الدور المحوري الذي لعبته حلب بوصفها منصّة تتقاطع فيها الطوائف، والقناصل، والمثقفون، والأطباء، في لحظات احتدام سياسيّ وثقافيّ مؤثّر.
وبين نسيج الأحداث، تستعيد الرواية الأيادي البيضاء التي خلّفها المطران جرمانوس فرحات في تعريب الطقوس الكنسيّة، والجهد الصامت لنساء حفظن تراث المكتبات الوقفية في عزّ الفوضى. كما تضيء الرواية على الجانب المظلم من التاريخ القريب، بفتحها ملف المعتقلين السياسيّين، ومآسي عائلاتهم التي تبحث عن أبنائها حتى في نبوءات العرّافات.
في هذه الرواية، تسير اللغة كخيط من الذهب، تنسج صورًا حسّيّة: تشمّ من السطور روائح الطعام، وتسمع أصوات السوق، وترى البيوت والمعابد كأنك تعيش فيها. (غرفة حنّا دياب) رواية تأخذ القارئ إلى عمق السؤال عن الهوية، والرغبة، والسلطة، وعلاقتها بقدر الإنسان الفرد الذي يقف عاريًا أمام التاريخ.
يظهر الخوري يوحنا السرياني ليكشف بعض أسرار الكنيسة السريانية وعلاقتها بتلك الجغرافيا المغرقة في التاريخ، وقوّة نسائها ووصول بعضهنّ إلى سدّة الحكم، ودعمهنّ النساء، ورؤيتهنّ التنويريّة، ممّا يجعلنا نؤوّل إهداء العجيلي روايتها إلى مطران السريان الأرثوذكس المغيّب خلال الحرب السورية، وهو واحد من ثلاثة وسمت الإهداء بأسمائهم، إذ كتبت: «إلى يوحنّا إبراهيم، وفاءً لوعد قديم».
إنّه عمل روائيّ يمزج المعرفة بالسرد، والتاريخ بالحسّ الجمالي، ليؤكد من جديد أن العجيلي ليست فقط راوية حكايات، بل مؤرخة للروح العربية، ومعمارية في بناء النصوص التي تشبه مدنًا كاملة لا نغادرها بعد القراءة.
الرواية صدرت حديثًا عن منشورات ضفاف في بيروت، وثقافة للنشر والتوزيع في أبو ظبي، ومجاز في عمّان، أمّا عن شهلا العجيلي فهي روائيّة سوريّة أردنيّة، وهي أستاذة الأدب الحديث والدراسات الثقافيّة في الجامعة الأميركيّة في مادبا في الأردن. حصلت على الدكتوراه في الأدب والدراسات الثقافية من جامعة حلب. وصلت روايتها (سماء قريبة من بيتنا) إلى القائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرواية العربيّة (البوكر) 2015، ووصلت روايتها (صيف مع العدوّ) إلى القائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرواية العربيّة (البوكر) 2019. حصلت روايتها (?ين الهرّ) على جائزة الدولة الأردنيّة في الآداب 2010. كما صدر لها في الرواية (سجّاد عجميّ) 2012، و نوفيلا ديجيتاليّة (إلى تشيخوف) 2020. حصلت مجموعتها القصصيّة (سرير بنت الملك) على جائزة (الملتقى- الجامعة الأميركيّة في الكويت) 2017، وهي أرفع جائزة عربيّة للقصّة القصيرة، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة بانيبال للأدب المترجم في لندن 2021. لها في القصّة القصيرة مجموعة (المشربيّة) 2005. ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات، كالإنجليزيّة، والألمانيّة، والإيطاليّة، والإسبانيّة، والفارسيّة، والبوسنيّة.