عروبة الإخباري –
تعرضت إيران لهجوم إسرائيلي أمريكي بريطاني، يُذكّر العالم بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وحاولت أمريكا تبرير الهجوم، بأنه لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، قالت عنه إسرائيل أنه كان سيشكل خطرًا وجودياً عليها.
هذا الهجوم على إيران دمر، قبل كل شيء، النظام الدولي الذي تم الاتفاق عليه وكان قائماً لمدة طويلة بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يترك هذا الهجوم أي ثقة دولية بمجلس الأمن والأمم المتحدة، وقدرتهما على حماية الأمن والسلم الدوليين.
لقد نجح الهجوم الأمريكي بإغلاق منشأتي تخصيب اليورانيوم في إيران نطنز، و فوردو، والحاق أضرار كبيرة بمركز أصفهان، المخصص لتحويل اليورانيوم الخام إلى هكسا فلورايد اليورانيوم، لكن من ناحية ثانية لا يمكن القول أنه دمر البرنامج النووي الإيراني، وذلك للأسباب التالية:
١- التقرير الرسمي الأمريكي يقول أنه أخّر البرنامج النووي الإيراني سنتين، ولا يتحدث عن تدميره، كما أن هناك تقديرات لدى البنتاغون بأن الإضرار في فوردو وتطنز كبيرة، لكنها لم تدمر المنشأتين، ويمكن لايران اعادة تشغيلهما.
ويشير تحليل صور الأقمار الاصطناعية، أن الضربات أغلقت مفاعل فوردو، لكنها لم تخرق إلى قلب المفاعل، ولم تسقط كما كان مخططاً لها في نفس الحفرة، بل سقطت في أماكن متقاربة، واحدثت عدة حُفر في سطح الجبل، الذي يقع تحته المفاعل، لكن القنابل التي سقطت على المداخل، دمرتها وأغلقت الطريق إلى داخل الانفاق والمفاعل، ومعاودة إسرائيل استهداف فوردو بعد الضربة الأمريكية، يؤكد أنه محاولة جديدة لتدميره.
٢- البرنامج النووي الإيراني لا يقوم على عشرة علماء تم اغتيالهم، أو على منشآتي التخصيب، فعماد البرنامج النووي هو وجود عدد كبير من العلماء، خاصة الشباب منهم، والذين هم ما زالوا قادرين على ترميم ما تم تدميره، خلال وقت قصير.
٣-تملك إيران كل وسائل ما يسمى بالدارة النووية، بدءاً من مناجم استخراج اليورانيوم، وصولاً إلى تنقيته واستخراج الكعكة الصفراء، ثم تحويله الى غاز هكسا فلورايد اليورانيوم UF6، ثم تنفيذ عمليات التخصيب، التي وصلت إلى نسبة 60%، بواسطة أجهزة طرد مركزية محلية الصنع، ومتطورة جداً.
٤- كانت تطمح إيران إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، يرفع عنها العقوبات، مع استمرار برنامج نووي سلمي، يضمن لها حق التخصيب، ولو بنسبة منخفضة.
لكن الآن بعد التعرض لهذا العدوان، تشعر إيران بالخديعة والإهانة، وستحاول استعادة هيبتها بشتى الطرق، ولن تقبل الهزيمة، فالاستسلام لن يكون خياراً مقبولاً لدى الايرانيين، وقد أظهر الشعب الايراني التفافاً حول قيادته، وتعزّز موقع النظام بدل أن ينهار.
٥- ما حدث شكّل جرس إنذار لكل الدول في المنطقة والعالم، وكما قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان: “علينا أن نتعلم مما جرى في إيران، لنعرف كيف علينا مواجهة إسرائيل”.
وحتى روسيا والصين شعرت بخطورة الوضع، ولوحت روسيا بتزويد إيران بسلاح نووي، واعربت عن استعدادها لتزويد ايران بما تحتاجه من أسلحة حديثة للدفاع عن نفسها.
لم يُخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قلقه، من أن يؤدي سباق التسلح، وتصاعد وتيرة وحدّة الصراعات، إلى حرب عالمية ثالثة.
وفي ظل تعطيل المؤسسات الدولية، وسيادة قانون القوة على ما عداه، لا شك أن الوضع خطر للغاية، والأجواء الدولية تشبه إلى حد كبير ما حدث عشية الحرب العالمية الثانية.
يتحدث ترامب عن السلام، وأبلغ الإيرانيين فوراً بعد الضربة لفورد، أنهم إذا لم يردّوا باستهداف القوات الأمريكية، فأمريكا اكتفت بما فعلته، ودعاهم للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن الإيراني كيف سيفاوض الآن، وهل سيقبل بالتخلي عن برنامج الصواريخ البالستية أيضاً؟؟؟
اراد نتنياهو وقف الحرب، فما أنجزه حتى الآن يكفيه، ويضمن بقاءه في الحكم عدة سنوات، فهو الوحيد الذي تجرأ على ضرب إيران، ومشى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلفه وعلى خطاه، ثم أن مشاهد الدمار الذي أحدثته الصواريخ الايرانية في قلب إسرائيل، راح يأكل من رصيد نتنياهو وإنجازاته.
أما قيادة إيران فلا شك أنها محرجة، فلا الحربَ المفتوحة مع امريكا ستكون في صالح إيران، ولا الخضوعَ مقبولٌ على المستوى الشعبي والنخب العسكرية والسياسية.
بابُ الاحتمالات مفتوحٌ على مصراعيه، ويرتبط إلى حد كبير بموقف روسيا والصين، وما سمعه عراقجي في موسكو وبكين.
لكن ولو توقفت الحرب الآن، فإيران لا تسطيع أن تتنازل كثيراً بعد الذي حصل، وستختار واحداً من إثنين:
إما التفاوض وعقد اتفاق لن يكون كما أرادته، وسيفرض عليها شروطاً قاسية، في مقابل رفع العقوبات.
إما التراجع خطوة إلى الوراء الآن وعقد تحالفات استراتيجية مع روسيا والصين، وتعزيز دفاعاتها الجوية، والعودة لتطوير برنامجها الصاروخي، ولاحقاً النووي.
وقد تُفجر إيران مفاجأة من نوع آخر، فبعد التلويح بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وتعليق التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية، باتت في حلٍّ من التزاماتها السابقة، وقد تفاجئ الجميع وتأخذ خياراً تصعيدياً في مواجهة تهديدات إسرائيل باستئناف الحرب عليها، فقد تجري تجربة نووية بعد وقت قصير، هذا اذا كان ما أورده موقع بلومبرغ صحيحاً، عندما أعلن أن نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران بلغت 84%، كما أن إيران قالت أنها أخرجت كميات اليورانيوم المخصب بنسب عاليه من فوردو، ووضعته في مكان آمن والكمية تُقدّر ب 400 كلغ وكافية لانتاج عدة رؤوس نووية، (قد يكون أودع في دولة صديقة خارج البلاد).
وصحيح أن صناعة قنبلة نووية تحتاج نظريًا إلى يورانيوم بنسبة تخصيب 90%، لكن القنبلة النووية التي القاها الأمريكيون على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، كانت بنسبة تخصيب 84%، وهذا يوضح إشارة بلومبرغ إلى قدرة إيران (اذا كانت فعلاً وصلت إلى هذه النسبة من التخصيب) على استخدام ما لديها من يورانيوم مخصب لصنع أكثر من قنبلة نووية.
أما تصريحات مدفيديف، فهي ايضاً شكّلت مبعث قلق كبير لأمريكا وإسرائيل، فهو عبّر عن أن هناك دول عديدة باتت مستعدة الآن لتزويد إيران بقنبلة نووية، وهذا يعيد إلى الأذهان مسألة تزويد الصين لباكستان، بكميات من اليورانيوم عالي التخصيب، والذي بدأت به صناعة سلاح نووي.
فإيران ساهمت بتزويد روسيا بالصواريخ ومسيّرات (شاهد 136)، ودعمتها في الحرب ضد أوكرانيا، وبالتالي قد تُقدم موسكو على رد الجميل لإيران، في هذا الوقت الصعب.
ويبقى السؤال الأكثر إثارة للجدل، كيف خرجت قافلة كبرى من فوردو، ونقلت اليورانيوم المخصب بنسبة عالية إلى مكان آمن، دون أن تراها أمريكا، التي تراقب المفاعل على مدار الوقت؟
المبعوث الاميركي ويتكوف بقي على اتصال دائم مع وزير خارجية إيران عباس عراقجي، قبل الضربة، وبعدها، حيث ابلغه أنها ضربة وحيدة وأخيرة، وأمريكا تدعو إيران للعودة الى المفاوضات، ولا ترغب في خوض حرب مفتوحة معها.
تلقفت إيران الضربة الجوية الامريكية، التي لم تنهِ برنامجها النووي، والتي أعطتها مشروعية أكبر، في البحث عن وسائل لحماية نفسها وسيادتها وشعبها، بما في ذلك امتلاك سلاح جو متطور، وربما ايضاً سلاح نووي، لأنه بات واضحاً أن الامم المتحدة ومجلس الأمن والقوانين الدولية، لا تحمي سيادة الدول، ووحدها القوة تردع المعتدين،
خاصة إسرائيل التي لم تترك شيئاً مَن بروتوكولا جنيف والمعاهدات الدولية، وصنعت أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية، ومحظور على الوكالة الدولية تفتيش منشآت إسرائيل أو مساءلتها، فيما هي تعتدي على كل دول وشعوب المنطقة وتقتل الاطفال والمدنيين وتدعي المظلومية وتحتكر حق الدفاع عن النفس وكأنه حصري بآسرائيل دون باقي شعوب الأرض.
فهل تفعلها ايران، وتفجّر مفاجأة في وجه الجميع؟؟؟!!!
الجواب سيكون في الايام القادمة، وربما رد ايران الرمزي على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، والامتناع عن استهداف باقي القواعد الأمريكية في المنطقة، شكّل الطريقة الأفضل لخروج إيران رابحة من هذه الحرب.
وقد تضمن روسيا والصين الضغط لمنع تكرار الحرب، والحفاظ على مكانة إيران ودورها في المنطقة مستقبلاً، خاصة أن الصين تخطط لاستثمارات ضخمة في إيران، وروسيا لا تريد الفوضى على حدودها، ولا ترغب في خسارة حليف آخر بعد سقوط بشار الاسد، وظهور المشاكل الجديدة ضد روسيا في اذربيجان.
فالمفاجأة منتظرة من إيران هذه المرة وليس عليها.