عروبة الإخباري –
في فجر 13 حزيران 2025، استيقظت إيران على أعنف ضربة عسكرية تستهدف عمقها منذ الحرب العراقية الإيرانية. طائرات إسرائيلية مسيّرة وشبحية اخترقت الأجواء الإيرانية وقصفت منشآت حساسة، من بينها مواقع نووية، مراكز للقيادة، ومنشآت للحرس الثوري.
لكن ما أثار الصدمة لدى المراقبين لم يكن حجم القصف، بل ضآلة الرد الإيراني وتردده، ما فتح الباب على أسئلة استراتيجية تتجاوز اللحظة، وتعود إلى جذور علاقة ملتبسة بين طهران وتل أبيب بدأت قبل أربعة عقود، في مشهد أقرب إلى التحالف السري بين الأعداء.
الضربة: نهاية مرحلة “الردع النظري”
طوال السنوات الماضية، تباهت إيران بقدرتها على محو تل أبيب “في سبع دقائق ونصف”، وتفاخر الحرس الثوري بشبكات الصواريخ والطائرات المسيّرة. لكن في مواجهة ضربة حقيقية مباشرة وعميقة من إسرائيل، لم تطلق طهران أكثر من صواريخ محدودة على أهداف أمريكية، ولم تجرؤ على المساس بإسرائيل نفسها.
هل تراجعت إيران؟ نعم.
هل انهار منطق “الردع المتبادل”؟ تمامًا.
لكن الأدهى من ذلك، أن المتابعين للشأن الإيراني–الإسرائيلي تذكروا لحظة تاريخية حرجة تكشف مدى التناقض في السلوك الإيراني: ففي الثمانينات، كانت إسرائيل نفسها هي من سلّحت إيران.
العودة إلى الثمانينات: حين دعمت إسرائيل إيران سرًا
بين عامي 1980 و1988، خاضت إيران والعراق حربًا دموية مدمرة، ووسط الحصار والعزلة، وجدت إيران بابًا خلفيًا غريبًا لتأمين السلاح: إسرائيل.
رغم الشعارات الثورية، والعناوين الحمراء عن “الشيطان الصهيوني”، وقفت طهران سرًا على أعتاب تل أبيب تطلب السلاح، فاستجابت إسرائيل، ليس حبًا، بل كراهية لصدام حسين.
أبرز ما جرى:
باعت إسرائيل لإيران أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة تقارب 75 مليون دولار خلال السنوات الأولى للحرب.
شملت الأسلحة:
* صواريخ مضادة للدروع TOW.
* قطع غيار لطائرات F-4 فانتوم.
* ذخائر مدفعية وذخائر خفيفة.
* معدات اتصالات عسكرية.
“إيران-كونترا”: قمة النفاق السياسي
في عملية “إيران-كونترا” الشهيرة، استخدمت إسرائيل كوسيط في صفقة سلاح أمريكي لإيران مقابل تمويل متمردي الكونترا في نيكاراغوا، في واحدة من أكثر الفضائح السياسية إرباكًا في القرن العشرين.
لقد دعمت إسرائيل إيران عسكريًا في وقت كانت طهران فيه ترفع راية تحرير القدس… والنتيجة؟ استمرار الحرب، واستنزاف العراق، وضرب مشروع صدام التوسعي، وهو ما خدم إسرائيل استراتيجيًا.
إيران اليوم: من شعار “الموت لإسرائيل” إلى الصمت أمام قصفها
ما جرى فجر 13 حزيران 2025 يُعدّ **صفعة مباشرة لصورة إيران الثورية:
* فإسرائيل التي كانت تبيع لطهران السلاح سرًا، أصبحت الآن تضربها علنًا.
* و”محور المقاومة” الذي يتغنى بـ”المعادلات” و”الرد الحتمي”، تلقّى ضربة بدون حتى “رعشة صوتية” من القيادة الإيرانية.
لماذا لم ترد إيران بجرأة؟
- تراجع القدرات الدفاعية أمام التفوق الإسرائيلي التكنولوجي.
- خشية من حرب شاملة تؤدي إلى انفجار الداخل الإيراني المتوتر أصلًا.
- اعتراف ضمني بأن “العدو الصهيوني” لم يعد أضعف مما يُقال، بل بات أجرأ مما يُتوقع.
السقوط الأخلاقي والسياسي أمام شعوب المنطقة
منذ عقود، قدّمت إيران نفسها كقوة بديلة عن الأنظمة “المتصهينة” في المنطقة. لكنها اليوم:
عاجزة عن الرد حين تُضرب.
مكشوفة أمنيًا رغم عقود من الاستثمار في الأمن والمخابرات.
صامتة سياسيًا، وكأنّ الضربة لم تقع.
هل يدرك مناصرو إيران العرب أن تل أبيب كانت شريك طهران في وقت الحرب؟
وهل يقتنع جمهور “الممانعة” أن طهران تحمي النظام لا القضية، وأن العدو يُحدَّد وفق المصالح لا المبادئ؟
خاتمة: لا خطوط حمراء في الجغرافيا السياسية، فقط مصالح متبدلة
ما بين بندقية إسرائيلية في يد جندي إيراني في الثمانينات، وصاروخ إسرائيلي فوق مفاعل نطنز في 2025، تتغير التحالفات، لكن الحقيقة الوحيدة التي تبقى:
لا صديق دائم ولا عدو دائم… هناك فقط مصالح دائمة.*
وإيران، بعد صمتها الصادم، باتت في موقعٍ لا تُحسد عليه: فاقدة لمصداقيتها أمام الداخل، ومكشوفة أمام الخارج.