عروبة الإخباري –
الدستر – خالد سامح –
(«الأماكن التي تُقصي، وهويّة الذين «لا ينتمون») ..عنوان الندوة الحوارية التي قدمها مساء الأربعاء الفائت كل من الباحث والأديب الأردني هشام البستاني والباحثة الايطالية أوديتا بيتسينغريلي، وذلك في المركز العربي للأبحاث بجبل عمّان، وبتنظيم من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى.
ناقشت الندوة وبحضور عدد من المتخصصين والمهتمين تحوّلات المدن العربيّة من خلال مدينتين: عمّان والكويت، مركزةً على أثر التغيّرات المدينيّة السريعة في تشكيل الهويّة والإقصاء والانتماء. وتناولت ديناميكيّات العلاقة بين المكان والهويّة، ومساحات التفاعل والاغتراب، بالاستناد إلى التجارب الحيّة والأعمال المنشورة للمشاركين.
عمّان..الإنسان والمكان
الكاتب هشام البستاني قال انه مهتم في تحولات عمّان ومآلات المشهد المديني فيها والتغيرات التي شهدتها على مدى العقود الماضية، حيث تناول ذلك في الكثير من كتاباته الإبداعية والبحثية، مشيراً إلى أن كلمة ديناميات تعني التفاعل متعدد الأطراف بين العناصر الاجتماعية، ومؤكداً أن الديناميات هي نشاط وفعل مستمر،وأن الكاتب عنها إن لم يشارك في البحث فإنه يتحدث في الماضي فقط، مستشهداً ببعض ما توصل إليه المفكر الايطالي غرامشي وهنري لوفيفن في ذلك المجال.
وقال البستاني:
«عمّان هي المكان الذي أعيش فيه، أكتب عنه من منطلق وجودي فيه وعدم إمكانية أن أكون منسلخاً عنه، فالباحث يتفاعل مع محيطه بصفته جزء من المجتمع»
وأشار البستاني أن «الذاكرة»جزء أساسي ومحوري في فهمه لعمّان، وهي هنا الذاكرة الجمعية التي تتشكل عبر تأثيرات الشخص وأسرته ومحيطه الاجتماعي وهي بذلك متعددة الطبقات المتصلة ببعضها البعض، وهنا استعرض كمثال تاريخ عائلته حين قدمه جده صبحي البستاني من دمشق لعمّان عام 1916، وحينها كانت المدينة ضمن أراضي الدولة العثمانية، وحين ولدت عمته فيها عام 1919 كانت جزءً من الأراضي الخاضعة لحكومة الشرق العربي التي أسسها الملك فيصل من دمشق، ثم بعد ذلك أصبحت عاصمة إمارة شرق الأردن، وهو هنا يبرز أثر التحولات السياسية على هوية المدينة، إضافة الى الهجرات العديدة التي شهدتها كهجرة الشركس ووصولهم لعمان عام 1878 ثم العائلات الشامية والأرمنية والفلسطينية والبخارية وغيرها، مستفيضاً في الحديث عن علاقة كل هؤلاء بالمكان العمّاني عبر الزمن، وتطور تلك العلاقة من التفاعل مع المكان كملكية جماعية ( اقامة الحفلات والتنقل الحرداخل المواقع الأثرية مثالاً) ثم تغير هذا الشكل من العلاقة بعد نشوء السلطة وإعادة تنظيم المدينة ومرورها بتحولات سياسية واقتصادية وعمرانية عديدة، ويضرب مثالاً بوسط البلد الذي كان بقعة تلاقح واجتماع يومي لأهالي عمّان ثم أصبح حداً فاصلاً بين شطري المدينة الشرقي والغربي، كما يرى.
واستعرض البستاني بالصور تدمير البنى القديمة لعمّان والتخلي عنها لصالح استثمارات استهلاكية مغلفة بمشاريع نيوليبرالية بحسب تعبيره، والقضاء على مساحات خضاء واسعة من أجل بناء الأبراج والمولات.
الكويت…تحولات البنية الاجتماعية
أما الباحثة أوديتا بيتسينغريلي فاستعرضت هي أيضاً التطورات التي شهدتها مدينة الكوبت على مدى قرن وما تركت تحولات في بنيتها الاجتماعية، فأشارت إلى أنها عاشت في الكويت وعمّان وأن تفاعلها مع المدينتين يزيد من فهما لهما، فهي لا تفضل كلمة ( بحث ميداني) في كتابتها عن المدن، بل (المشاركة الحياتية).
وتناولت الباحثة بالصور أثر ظهور النفط في الكويت على تطورها وتشكل عمرانها وحركة المجتمع وهويته، وقبل ذلك بناء سورها عام 1920 الذي منح من بداخله هوية مختلفة عمن في خارجه كما قالت، ثم التغيرات التي طرأت على المدينة في مرحلة ما بعد استقلال الدولة عام 1961، وزوال أحياء كاملة عن خريطتها لصالح المشاريع الجديدة عن المشاركين في الندوة
*هشام البستاني
كاتب وأكاديمي وباحث أردني، حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية ودراسات ما بعد الاستعمار من جامعة وستمنستر – لندن. يشغل موقعًا بحثيًا في معهد الدراسات السياسيّة بباريس والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى. صدر له العديد من الكتب في الشعر والفكر والمدن منها: مدينتي المشوّهة التي أستيقظ فيها كلّ يوم، والكيانات الوظيفيّة. تشمل اهتماماته المدن العربيّة والآثار الاستعمارية المستمرة والاقتصاد السياسي للطاقة.
أوديتا بيتسينغريلي
باحثة في جامعة بيزا وباحثة زائرة في جامعة الخليج بالكويت. عملت في الجامعة الأردنية ومركز النهضة للديمقراطية والتنمية. حاصلة على الدكتوراه من جامعة لويس غويدو كارلي في روما. صدر لها كتاب بناء الهويّة في الأردن والكويت (2024)، وتركّز أبحاثها على الأقليات، والتهميش، وسرديّات الهوية في العالم العربي.
ماريا-أنجيلا غاسباروتو
أنثروبولوجية في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى – عمّان، أعدّت أطروحتها عن الشباب في رام الله، وتعمل حاليًا على مشروع عن البُنى التحتيّة في الزرقاء. تهتم بتقاطع الأنثروبولوجيا السياسية والحضريّة، وتبحث في قضايا العنف اليومي، والتحوّلات الحضرية، وذاكرة المدن.
عمّان والكويت نموذجان لتحولات المدن العربية…حوارية في المركز العربي للأبحاث
6