عروبة الإخباري –
الدستور –
في كل عام، يحتفل العالم بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، مبادرة أطلقها جلالة الملك في الجلسة العامة للجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 2010 حرصاً على تعزيز الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة. جاء هذا الأسبوع كمحاولة لبناء جسور التواصل بين المجتمعات المختلفة، وإيجاد أرضية مشتركة تجمعها القيم الإنسانية النبيلة مثل التسامح، والاحترام المتبادل، والتعاون، في عالم يواجه تحديات متزايدة من النزاعات والانقسامات، ليصبح هذا الأسبوع أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، حيث يشكّل فرصة ذهبية لنشر ثقافة الوئام في المجتمعات.
وقد جاء توقيت كلمة جلالة الملكة رانيا العبدالله في القمة الدولية لحقوق الأطفال والتي أُقيمت في الفاتيكان، ضمن ذكرى الأسبوع العالمي بين الأديان، تأكيدا على ضرورة تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات لضمان حقوق الأطفال في جميع أنحاء العالم. ففي كلمتها، شددت على أهمية التركيز على الإنسانية، بدءًا من حماية حقوق الأطفال وتوفير بيئة آمنة لهم للنمو والتعلم. وأكدت على ضرورة التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات لتحقيق هذا الهدف.
مبادرة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان ليست مجرد احتفال رمزي، بل هي دعوة حقيقية لتعزيز الحوار وتخفيف التوترات التي تعصف بالمجتمعات من كل حدب وصوب. في ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي يمر بها العالم، يصبح هذا الأسبوع منصة ضرورية للبحث عن الحلول المشتركة، بدلاً من التركيز على الخلافات. الوئام ليس مجرد شعار، بل هو غاية تسعى المجتمعات إلى تحقيقها من خلال التفاهم والتعاون، مما يسهم في تقليل النزاعات وترسيخ ثقافة السلام.
لطالما كررنا مقولة: أن في الاختلاف والتنوع قوة وجمالاً، لكن هذه الحقيقة لا تكتسب قيمتها إلا حين تتحول إلى سلوك وممارسة يومية. الرسالة الأهم التي تحملها مبادرة أسبوع الوئام العالمي هي تشجيع الأفراد، لا سيما الأجيال الصاعدة، على احترام التنوع الثقافي والديني، وتفهم من يختلف عنهم بدلاً من معاداتهم، لأنه عندما يتعلم الشباب أن التعددية جزء أصيل من النسيج الإنساني، يصبحون أكثر قدرة على بناء مجتمعات متماسكة تقوم على التسامح والحوار والمشاركة الفاعلة في المبادرات المجتمعية ووقتها سوف يتمكنوا من تحويل التحديات إلى فرص بهدف الوصول لتعاون يثري الجميع.
ولكي لا تبقى هذه المبادرة مجرد حدث نتذكره كل سنة، على الرغم من أهمية أن نبقيها حيّة، لكي تتحول إلى نهج دائم، لا بد من اتخاذ خطوات عملية لترسيخها. تعزيز التثقيف المجتمعي يعد من أولى هذه الخطوات، حيث يجب نشر الوعي بأهمية الحوار بشكل عام والتعرف على أسسه وقواعده ليصبح السلاح الذي نواجه من خلاله الخطابات السلبية. كما أن إدماج المبادرة في المناهج التعليمية بشكل عملي يساعد في التركيز على القيم المشتركة بين أطياف المجتمع، وتعزيز دور المدارس والجامعات في نشر ثقافة التسامح.
ويلعب الإعلام دورًا أساسيًا في نشر الرسائل الإيجابية، وهو قادر على التأثير في المجتمعات من خلال تسليط الضوء على قصص تعكس العيش المشترك، بالإضافة إلى ذلك، تلعب القيادات الدينية دورًا مهمًا في تعزيز قيم الوئام والتعايش المشترك، وبالذات في ظل تطور المنصات الرقمية، التي يمكن استخدامها لنشر رسالة التسامح و دعوة الشباب للمشاركة في النقاشات البناءة.
تأتي مبادرة «أسبوع الوئام العالمي بين الأديان» في وقت تحتاج فيه المنطقة بأسرها إلى تعزيز ثقافة السلام الداخلي والمجتمعي والتعاون بين مختلف الأطياف الدينية والثقافية. إن تبنّي هذه المبادرة، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل أيضًا في الحياة اليومية، يمكن أن يساهم في بناء مجتمعات أكثر انسجامًا وتسامحًا، حيث يصبح الوئام نمط حياة، وليس مجرد شعار. حمى الله الوطن.