أعطى الأردن للمرأة اهتمامًا بالغًا وجعل منها محورًا أساسيًا من محاور التطوير والتحديث الاقتصادي لما لها من دور فعَّال في تقدم الدول اقتصاديًا واجتماعيًا كعنصر يشكل نصف المجتمع،وهذا ما دعا له جلالة الملك عبد الله الثاني بضرورة تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في كافة القطاعات.
وفي هذا السياق أتى قانون العمل الأردني ليعبد الطريق المهني أمام المرأة لتسلكه بثبات، فأزال المعوقات التي قد تعترضها لأي سبب، كاختلاف طبيعتها الفسيولوجية عن الرجل، أو وضعها الاجتماعي كأم.
فاختلاف طبيعة المرأة الفسيولوجية عن الرجل يقتضي حمايتها من القيام ببعض الأعمال التي قد تشكل خطرًا عليها، فيُحظر تشغيل النساء في الصناعات والأعمال الخطرة كالعمل في المناجم والمحاجر وصهر المعادن والعمليات الصناعية التي يدخل في تداولها عنصر الرصاص أو مركباته أو أكسيد الرصاص، ويمنع عملها في تغضيض المرايا بواسطة مادة الزئبق، وغيرها من الأعمال التي نصت عليها المادة (2) من قرار وزير العمل لسنة 2010 بالاستناد للمادة (69) من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996.
كما ويُحظر عمل المرأة في أوقات معينة وفق القرار الوزاري السابق بيانه وهي ثماني ساعات تبدأ بعد العاشرة ليلًا وتنتهي عند الساعة السادسة صباحًا، لما في ذلك من جهد بدني واحتمالية وقوعها بالخطر في هذه الساعات المتأخرة من الليل. ويُستثنى من ذلك بعض الأعمال ذات الطبيعة الليلية عالعمل في المطارات والمستشفيات وصالات الأفراح والمناسبات وغيرها من الأعمال الواردة في المادة (4) من ذات القرار الوزاري.
ولم يكتفِ القانون بإعطاء المرأة حقها بالحماية، وإنما منحها حقوقًا لممارسة أمومتها بسهولة حتى لا تضطر لترك عملها إذا ما أنجبت، فأعطاها الحق في إجازة أمومة قبل الوضع وبعده بحيث تكون المدة الكاملة لهذه الإجازة هي عشرة أسابيع بأجر كامل، ويشترط ألَّا تقل مدة إجازتها بعد الوضع عن ستة أسابيع، كما ويُمنع تشغيل الأم العاملة قبل انقضاء هذه المدة، وفق المادة (70) من قانون العمل الأردني، بل وتستحق كافة العلاوات والمستحقات المالية التي تتقاضاها عادةً مع أجرها الشهري وفق ذات المادة.
كما ويُمنع فصل المرأة الحامل من عملها خلال إجازة الأمومة، أو خلال حملها ابتداءً من الشهر السادس من الحمل وفق المادة (27) من قانون العمل، وإلَّا عُد الفصل تعسفيًا معطيًا العاملة الحق في رفع دعوى فصل تعسفي وفق المادة (25).
كما وراعى القانون حق الطفل في الرضاعة، فمنح الأم بعد الولادة الحق في فترات إرضاع المولود خلال دوامها بحيث لا تزيد مجموع هذه الفترات على ساعة واحدة في اليوم، ويكون هذا خلال سنة من تاريخ الولادة وفق المادة (71).
ولأهمية دور الأم في رعاية أطفالها أعطى القانون الأم العاملة الحق في الحصول على إجازة للتفرغ لتربية أطفالها لمدة لا تزيد على سنة، إلَّا أنه يُشترط في ذلك أن تكون المؤسسة التي تعمل المرأة فيها تتكون من عشرة عاملين أو أكثر استقرارًا لعمل المؤسسة، ويُشترط ألَّا تعمل خلال هذه الإجازة في مؤسسة أُخرى بأجر، بحدود المادة (67).
وفي رعاية أطفال العاملات، ألزمت المادة (72) من قانون العمل الأردني صاحب العمل بتهيئة مكان مناسب لاستضافة أبناء العاملات يكون في عهدة مربية مؤهلة أو أكثر لترعى شؤونهم، وللوزير أن يُحدد البدائل المناسبة إن لم يكن هناك إمكانية لدى صاحب العمل بإقامة مكان مناسب لأطفال العاملات لديه ضمن تعليمات تُصدر لهذه الغاية.
وتقديرًا لظروف الزوجة العاملة في أن زوجها قد يعمل في مؤسسة خارج حدود الدولة الأردنية أو حتى في محافظة أُخرى داخل المملكة، أعطى القانون لهذه الزوجة بموجب المادة (68) الحق في الحصول على إجازة دون أجر لمرة واحدة لمدة لا تزيد على سنتين لمرافقة زوجها، ضمن ما يُعرف بإجازة الزوجين.
وحظرت المادة (69) أي تمييز بين الجنسين من العاملين مما يؤكد اشتراك المرأة مع الرجل في الحقوق الممنوحة له بموجب هذا القانون، سواء في الحقوق المالية أوغير المالية.
وتتلخص الحقوق المالية المشتركة بين الرجال والنساء باستحقاق العمال للأجر بما لا يقل عن الحد الأدنى للأُجور، وهو الحد الذي أقرته اللجنة الثلاثية لشؤون العمَّال بـ 260 دينارًا، بالاستناد للمادة (52/ب)، كما وأوردت المادة (53) من قانون العمل عقوبة تتمثل بتغريم صاحب العمل غرامة تتراوح بين الـ 500 و الـ 1000دينار أردني عن كل موظف يُدفع له راتب أقل من الحد الأدنى أو عن أي تمييز بالأجر بين الجنسين في العمل ذو القيمة المتساوية. ويجب أن يُدفع الأجر وبدل العمل الإضافي خلال سبعة أيام من تاريخ استحقاقه وفق المادة (46/أ).
ومن الحقوق المالية ما يستحقه العمَّال جرَّاء فصلهم تعسفيًا، أي فصلهم دون مبرر قانوني كفصل العامل أثناء إجازته المرضية أو غيرها، ويُعد الفصل التعسفي من تطبيقات النظرية العامة للتعسف في استعمال الحق، الذي قضى المشرع في المادة (66) من القانون المدني أنه يتحقق بإثبات توفر قصد التعدي، وإذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة، وإذا كانت المنفعة لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر وإذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة. غير أن انطباق إحدى الحالات المنصوص عليها في المادتين (28)و(31) تؤول دون اعتبار الفصل تعسفيًا، ومنها قيام صاحب العمل بتسريح عمال لظروف اقتصادية صعبة تتعرض لها مؤسسته، أو تحقق إحدى حالات فصل العامل دون إشعار كقيام العامل بالاعتداء على صاحب العمل.
وأما في العقود محددة المدة فإن فصل العامل قبل انتهاء مدة عمله المتفق عليها بموجب عقد العمل يُلزم صاحب العمل بأن يدفع للعامل رواتب المدة المتبقية في العقد مع كامل المستحقات بموجبه كما جاء في المادة (26/أ).
وفي الحقوق المالية أيضًا استحقاق العامل لبدل مالي عن عدم إشعاره من قِبل صاحب العمل بفصله، إذ أوجب القانون إشعار العامل خطيًا قبل شهر على الأقل من فصله في العقود غير محددة المدة، وتكون قيمة بدل الإشعار مساوية لراتب شهر واحد بالاستناد لآخر راتب تقاضاه العامل. ويُستثنى من ذلك حالات فصل العامل دون إشعار التي وردت في المادة (28)، أو خلال مدة التجربة وفق المادة (35/ب).
ويستحق العامل مكافأة نهاية الخدمة وهي ما يُعادل راتب شهر عن كل سنة من خدمته الفعلية بالاستناد لآخر راتب تقاضاه العامل شريطة عدم خضوعه لأحكام قانون الضمان الاجتماعي وفق المادة (32) من القانون. كما ويستحق العمَّال بدلاً عن ساعات العمل الإضافي والعمل أيام العُطل والأعياد في حدود المادة (59).
كما وتتلخص الحقوق العمَّالية غير المالية بحق العمَّال بالحصول على الإجازات المُقرَّة لهم قانونًا، وهي: العطل الأسبوعية، الإجازات السنوية ويبطل كل اتفاق يتضمن تنازل العامل عنها بل يستحق بدلًا ماليًا عن الأيام التي لم يستعملها من تلك الإجازة، الإجازات المرضية والإجازات الإضافية كإجازة الحج وإجازة الأبوة وهي ثلاث أيام تُستحق للعامل الذي رُزق بمولود جديد بينما العاملة فتستحق إجازة أمومة تساوي ست أسابيع كما ذكرنا سابقًا، وكل هذه الإجازات مدفوعة الأجر باستثناء إجازة الدراسة الذي يستحقها العامل إذا التحق بمؤسسة تعليمية معترف به للدراسة فيها ومدتها أربعة أشهر دون أجر، بالاستناد للمواد (60-66).
ومن حق العمال تقيُّد أصحاب العمل بساعات العمل المحددة قانونًا بثماني ساعات يوميًا دون زيادتها عُنوة إلَّا عند موافقة العامل ومع احتساب بدل مالي عن كل ساعة عمل إضافية كما جاء في المادتين (56) و(59)، باستثناء ما ورد من حالات العمل الإضافي الإلزامي في المادة (57) فيجوز زيادة عدد ساعات العمل عن ثمانية مع استحقاق العامل بدل عمل إضافي، ويُستثنى من العمل الإضافة الحالات الواردة في المادة (58) كالعاملين الذين تتطلب طبيعة عملهم السفر.
إضافةً إلى ذلك فإنه من حق العامل حصوله على شهادة نهاية الخدمة بناءً على طلبه وفق المادة (30)، ويحق للعامل ترك عمله دون إشعار صاحب العمل مع استحقاقه لكامل حقوقه القانونية عن انتهاء خدمته وتعويضات العطل والضرر إذا ما تحققت إحدى الحالات والظروف الواردة في المادة (29) ومنها تعرُّض العامل للاعتداء من صاحب العمل بالضرب أو التحرش أو غيرها، أو أن الأخير قد خفَّض أجر العامل أو نقله إلى عمل يختلف في نوعه اختلافًا بينًا أو غيرها من الحالات.
كما ومن حقوق العمَّال حمايتهم من قبل صاحب العمل من الأخطار والأمراض التي قد تنجم عن العمل فإن لم يتقيد صاحب العمل بأحكام السلامة على الرغم من توجيه إنذار له من قبل الوزير فللأخير أن يقوم بإغلاق المؤسسة كليَا أو جزئيًا أو إيقاف أي آلة مخالفة إلى أن يقوم صاحب العمل بإزالة المخالفة مع مراعاة تقاضي العمال لأجورهم كاملة خلال تلك المدة، وفقًا للمواد (78-84).
وأما عن حماية حقوق العمَّال، فيأتي هنا السؤال، كيف يحصل العامل على حقوقه القانونية إن لم يُعطه إياها صاحب العمل؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب التفريق بين عقد العمل الجماعي وعقد العمل الفردي.
ففي عقد العمل الجماعي يُلجأ لمندوب التوفيق لحل النزاع رضائيًا، فإن لم يُحَل النزاع بشكل كلي يَلجأ العمال لمجلس التوفيق كخطوة ثانية، فإن لم يُحل النزاع بشكل كلي يُخبر المجلس وزير العمل بذلك ليقوم الأخير بدوره في إحالة النزاع لمحكمة عمالية حيث يُعطى النزاع صفة الاستعجال ليُصدر فيه قرار خلال مدة لا تتجاوز الثلاثين يومًا، وفقًا للمادة (124) من قانون العمل الأردني.
وأما فيما يخص عقد العمل الفردي، فإن للعامل كتابة لائحة بنفسه أو عن طريق نقابته لرفع دعوى مطالبة بالحقوق العمالية لدى محكمة الصلح، ويجوز تقديم ادعاء موحد من قِبل مجموعة من العمال إن كانوا يعملون في نفس المؤسسة وفق المادة (137) من قانون العمل الأردني مع ملاحظة أنه من الممكن اللجوء لسلطة الأجور لتحصيل أجور العمال بدلًا من اللجوء للمحكمة في المناطق التي يوجد بها سلطة أجور. كما وتعتبر الدعاوى العمالية من الدعاوى المستعجلة بحيث يُفصل فيها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ورودها للمحكمة ويجوز استئنافها.
وبهذا تكون الحقوق الممنوحة للمرأة العاملة قد ساوت بين الرجل والمرأة بالإضافة إلى منح المرأة حقوقا تراعي خصوصيتها مما يدعم تحقيقها للأمان والاستقرار المادي ضمن ما يُعرف «بمبدأ الاستقلال الاقتصادي للمرأة» مما يؤدى إلى مضاعفة أعداد النساء المشاركات في الحياة الاقتصادية وأسواق العمل حيث بلغت نسبة مشاركة المرأة الأردنية في القطاع الصناعي 34 % وبلغت مشاركتها في القطاع المصرفي 38 % كما وتعتلي وظائف قيادية ومتوسطة بالبنوك بما نسبته 40 % وتميَّزت في قطاع المحيكات والجلديات لتبلغ مشاركتها ما نسبته 67.5 %، وهذه النسب المرتفعة نسبيا إنما تعبِّر عن جدوى الحقوق الممنوحة للعاملة الأردنية بنصوص القانون والتي جاءت لتساهم في جدوى تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي تهدف لمضاعفة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية لترتفع نسبة مشاركتها الى 28 % بحلول عام 2033.
ويأتي هذا الاهتمام بدور المرأة وتعزيز مشاركتها الاقتصادية من خلال رؤية وتوجيهات القائد جلالة الملك عبد اللَّه الثاني ابن الحسين الذي أكَّد على أن التقدُّم في مسارات التحديث الاقتصادي لا يمكن أن تتحقق دون دور فاعل للمرأة وتمكينها لدخول سوق العمل في مختلف القطاعات.