عروبة الإخباري –
الشرق –
بعد التمديد للمجالس البلدية في السنة الماضية، كان من المفترض، أن نكون في هذا الربيع على موعد مع الانتخابات البلدية، الذي يفرض نفسه كضرورة ملّحة، بخاصةٍ مع وجود مئات البلديات، المعطلة مجالسها لأسباب عدة، منها ماديّة، سياسية، أو حتى غياب رئيسها لأسباب مختلفة، ناهيكم عن الخلافات الحاصلة بين أعضاء مجالس أخرى وغيرها من الأسباب مخفية كانت أم معلنة، بحيث تشير الأرقام إلى وجود 134 بلدية منحلّة لغاية اليوم، ولم تجرٕ فيها الإنتخابات وفق مقتضيات القانون البلدي. وقد جاءت الاوضاع الأمنية في الجنوب، لتزيد الطين بلّة، فجاء معها تعطيل هذا الاستحقاق، الذي ينتظره المواطنون اللبنانيون، لحلّ الكثير من المشاكل العالقة، والتي تعطي الصلاحية للمجالس البلدية في كيفية الحلول الممكنة، بغياب الدولة المركزية، الآخذة في التلاشي يوما بعد يوم، وكما بات معروفاّ أهمية دور البلديات، وعملها الأساس في إنماء المناطق، وحلّ مشاكل المقيمين فيها، وقد ظهر ذلك وتجلّى بخاصةٍ في فترة جائحة الكورونا وايضاً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية الحاليّة. حالياّ عملت القوى السياسية على تأمين انعقاد جلسة تشريعية، للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية، بدلاً من إجراء استحقاق الإنتخابات البلدية، «بحجة» الأوضاع الأمنية في الجنوب، ونقول» حجة» لتعطيل الانتخابات، لأن البديل عن الانتخابات التقليدية في البلديات موجود ويمكن تطبيقه عبر ما يسمى «بالميغاسنتر» على الرغم من سلبية المشهد، من الممكن اعتبار الوضع المتأزم في الجنوب، سبباً كافياً لاعتماد إجراء «الميغاسنتر» الإصلاحي إذا صحّ التعبير، والبدء بتطبيقه من الجنوب كمرحلة أولى، في حال نجاحه يتم تعميمه على سائر المناطق اللبنانية، ما الذي يمنع تطبيق «الميغاسنتر»؟
كثر من يجهل ماهية «المغاسنتر» وفعاليته!
«الميغاسنتر» هي المراكز التي يجب انشاؤها في المناطق من أجل تحقيق عملية الاستحقاقات الانتخابية الاختيارية من قبل الشعب، وهي مخصصة للناخبين اللبنانيين، لكي ينتخبوا في اماكن سكنهم، وبالتالي «الميغاسنتر»، مرتبطة بالتسجيل المسبق، وهي إحدى البنود الإصلاحية في القانون الإنتخابي، الذي يعدّ من الإجراءات المهمة لتسهيل عملية الاقتراع للناخبين. وفق القانون الانتخابي الجديد، فإن لبنان، سيكون بحاجة الى إنشاء عشرة مراكز «ميغاسنتر»، على ان يستوعب كل مركز خمسين الف ناخب، ما يسمح لحوالى خمسمائة ألف لبناني بالتصويت في أماكن سكنهم. من فوائد تطبيق «الميغاسنتر»، أنه يضمن الشفافية وعدم الغش وحرية الإنتخاب، ويوفّر انتخابات مريحة وسهلة نسبياً، وهو يصب في خانة الأمور الصائبة لإجراء انتخابات نيابية أو بلدية سليمة وناجحة، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، والأزمة الإقتصادية الحادّة، وصعوبة المواصلات، قد يكون هذا الخيار من الحلول العملانية، للتخفيف على الناخب العبء في عملية القيام بواجبه الوطني، الذي هو حقه في الانتخاب، وبهذا يتمّ تشجيعه للإقبال على الاقتراع بسهولة، من دون عناء وهدر الوقت والمال.
في كلّ مرة يكون فيها السعي الجاد لتطبيق «الميغاسنتر»، يخرج «أرنب» يعرقل هذا المشروع، تحت ذريعة «حجة»، فيضع العصي في الدواليب وأولها الأزمات المالية، لجهة تأمين مصادر التمويل، ويتم الحديث عن قيمة تقدّر بملايين الدولارات وفقاً لعدد المراكز، والحاجات اللوجستية والتجهيزات الإلكترونية وربطها ببعضها، بالإضافة الى عدد الموظفين الواجب تأمينهم، لتولي المراقبة الإلكترونية وحسن سير عملية الاقتراع. وبالتالي، مواجهة أسباب الامتناع عن اجراء الانتخابات من خلال «الميغاسنتر»، يبدي بعض من المتمولين المهتّمين بالشأن العام، استعدادهم لتمويل مشروع «الميغاسنتر»، بخاصةٍ في المناطق الحدودية الجنوبية، ونذكر منهم رئيس «مؤسسة المقدسي الإنمائية والاجتماعية» طلال المقدسي، الذي كتب عبر حسابه على «أكس»: «ممنوع حرمان أهل الجنوب من ممارسة حقهم بانتخابات بلدياتهم، فرصة سانحة لوزارة الداخلية لاعتماد (الميغاسنتر) لأبناء البلدات التي هجرها أهلها، بسبب العدوان الإسرائيلي، إذ يمكنهم ممارسة حقهم حيث يوجدون (صور، صيدا، بيروت وضواحيها)، فهل يبادر وزير الداخلية خطوة طال انتظارها، ومستعدون لتأمين تكاليف «الميغاسنتر». ولا بدّ من التذكير، بأن دور البلديات، أساسي في هذه المرحلة الصعبة التي نمرّ بها، لتسيير شؤون الناس، والبّت في الكثير من الأمور العالقة منذ سنوات، بسبب تعطل وغياب قسم كبير من المجالس البلدية، من وفاة عدد من رؤساء البلديات وغيرها من الأسباب المتعلقة في خصوصية كلّ بلدية. واليوم، بات اللبناني عاجزا، عن تحمل كل تلك المشاكل المتروكة من دون معالجة، وقد صارت الحاجة سببا رئيسيا للتغيير، ولاعتماد خطوة جريئة الى الأمام، لطالما تمّ تأجيلها لأسباب مقرونة بالسياسة، أكثر من أسباب التقنيات في حدّ ذاتها. صحيح أن الانسان عدو ما يجهل، ولكن قد تكون «الميغاسنتر»، خطوة جبارة بالنسبة لبلد تتحكم فيه الأحزاب والمحسوبيات مثل لبنان! لماذا الخوف من تطبيق «الميغاسنتر»؟ ولم لا تكون الأوضاع الأمنية المتفجّرة في الجنوب، سبباً كافياً لبدء التفكير بإجراء الانتخابات البلدية بطريقة حديثة، وبالذهاب الى اعتماد «الميغاسنتر»، كتجربة في الإنتخابات البلدية للمناطق الحدودية الجنوبية؟. في حال نجاح هذه الخطوة، يتم الإستفادة منها، لكسر هاجس الخوف واعتماد «الميغاسنتر»، في المستقبل في الإنتخابات النيابية المقبلة في 2026، وتعزز بذلك إرادة السعي قدماً في خطوة ايجابية نحو الإصلاحات المطلوبة والتي طال انتظارها. فهل من شجاع، يبادر الى دحرجة قرار الفتك في مؤسسات الدولة والقوانين، التي ينصّ عليها الدستور، فنصل بذلك إلى الخلاص المنتظر؟!