طالعتنا صحيفة نيويورك تايمز بمقال للكاتب الكبير توماس فريدمان يعلن من خلاله عن تفكير للرئيس الأمريكي بايدن عن إطلاق صفقة كبيرة تغير الشرق الأوسط عنوانها تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الإستعماري الإسرائيلي المتمتع بحماية أمريكية جعلت منه كيانا فوق القانون مهددا للأمن والسلم الإقليمي والدولي .
المقال يستدعي القراءة العميقة والإهتمام من صناع القرار لما له من تداعيات وبما تضمنه من معلومات وإقتراحات تستهدف جس النبض لما هو قادم ورصد لردود الفعل السعودية والفلسطينية والإقليمية على الصعيدين الرسمي والشعبي .
قراءة عن تفكير الرئيس الأمريكي بإطلاق صفقته من حيث :
أولا : التوقيت .
ثانيا : الأهداف .
ثالثا : العقبات .
من حيث التوقيت :
يأتي توقيت الإعلان عن صفقة بايدن التي لا يمكن فصلها عن صفقة ترامب بل يمكن إعتبارها إستمرار لها ولتحقيق ما عجز عنه ترامب إبان رئاسته التي تأتي في ظل :
* إستمرار الحرب الأوكرانية وفشل أمريكا وحلفائها بالرغم مما قدمته عسكريا وسياسيا وإقتصاديا لأوكرانيا في إرغام روسيا على إنهاء حربها والإنسحاب من أوكرانيا مما يشي بقرب ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب اي بكلمات أخرى تراجع النفوذ الأمريكي في العالم .
* بعد إختتام الإجتماعات العسكرية بين البنتاغون ووزارة الدفاع الإسرائيلية التي خصصت من أجل التوسع بما تسمى زيفا إتفاقيات ” إبراهام ” مع دول عربية وإسلامية وعلى رأسها السعودية ولبحث مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية بين مزيد من الإضعاف او التقويض .
* الفشل الأمريكي في التقدم بإدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي في قلب الوطن العربي من خلال توقيع إتفاقيات إذعان مع ” إسرائيل ” دون إحراز خطوة عملية بإنهاء الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا تنفيذا للقرارات الدولية وللمبادرة العربية .
* السياسة السعودية التي يقودها سمو الأمير محمد بن سلمان الهادفة إلى إقامة توازن في العلاقات بين السعودية ودول العالم المتنفذة وخاصة مع قطبي العالم “أمريكا” من جهة و”روسيا والصين” من جهة أخرى على قاعدة المصالح وبما يعزز امن المملكة العربية السعودية وإستقرارها ونموها وتطورها .
* تحدي نتنياهو للإدارة الأمريكية سواء فيما يتعلق بما يسمى الإصلاح القضائي او بتجميد ما يطلق عليها وقف الإجراءات الاحادية بالاراضي الفلسطينية المحتلة ” ضم ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات ولجم المستوطنين ” .
* إنحسار النفوذ الأمريكي والغربي في إفريقيا .
من حيث الأهداف :
يتطلع الرئيس بايدن وإدارته إلى تحقيق أهداف منها :
أولا : إستمرار ربط المنطقة العربية وخاصة دول الخليج العربي ومركزها السعودية بالمظلة الامريكية من موقع التبعية وليس من منطلق المشاركة والمساواة والندية في إستنساخ وتكرار لنتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية الذي لم يزل العالم العربي يعيش نتائجها وتداعياتها حتى الآن .
ثانيا : تمكين الكيان الإستعماري الإسرائيلي من أداء وظيفته العدوانية والتوسعية في الوطن العربي الكبير باقطاره وكيلا عن الولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها لضمان هيمنتها ونفوذها دون منازع مع تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب .
ثالثا : حماية الدولار الذي يعكس بقوته قوة الإقتصاد الأمريكي وسيطرته بالتالي على حركة السيولة النقدية العالمية وحركة التجارة العالمية لحد كبير وبالتالي النفوذ والهيمنة وتوجيه القرارات بما يحقق أهدافها ومصالحها .
رابعا : إغلاق الباب أمام المد الروسي والصيني سياسيا وإقتصاديا في الوطن العربي لما يحتله من موقع إستراتيجي جيوسياسي وإقتصادي .
خامسا : تعزيز فرص بايدن وحزبه الديمقراطي بإنتخابات تشرين الثاني 2024 .
عقبات أمام صفقة بايدن :
يكون الرئيس بايدن واهما إن إستمر في إعتقاده وإدارته ان الوضع في الدول العربية ثابت ومستمر بقبول دور المتلقي المنفذ دون تغيير مما يؤهله ويمكنه من تحقيق أهدافه بالهيمنة على ثروات ومقدرات الدول العربية وعلى قراراتها بكلام معسول ورؤى في مضمونها تشكل وبالا على الاقطار العربية منفردة ومجتمعة .
من العقبات :
* عدم الثقة بالسياسة الأمريكية وهذا عامل اساس لسرعان ما تنقلب على أصدقاءها عند أول منعطف والأمثلة على ذلك كثيرة لا مجال لإستعراضها في هذا المقال .
* الدعم المطلق والإنحياز الأمريكي الأعمى للكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري دون أي إعتبار للحقوق والمصالح العربية ولمبادئ الأمم المتحدة واهدافها ولحق تقرير المصير للشعوب .
* الإزدواجية في التعامل مع القضايا العربية والإسلامية وتغييب مبادئ وميثاق الأمم المتحدة ووجوب تنفيذ قراراتها وما موقفها من إستمرار الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي للجولان و لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وفق قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 و 67/19/2012 إلا نموذجا لهذه الإزدواجية التي يجسدها الموقف من الحرب في أوكرانيا خلافا لموقفها من الكيان الإستعماري الإسرائيلي وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني .
* توظيف حقوق الإنسان كأداة ضاغطة بحق الدول التي تعترض او لا توافق على الإذعان لسياستها ولو كانت لغير صالح الدولة المعنية .
* الإنقلاب على الشرعة الدولية وعلى نظام وميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر إحتلال أراض دولة أخرى بالقوة ويكفل للشعب الخاضع تحت الإحتلال الأجنبي المقاومة بكافة أشكالها من أجل الحرية والإستقلال وعلى خلاف القاعدة القانونية الحقوقية الدولية نجد ان السياسة الأمريكية خلافا لواجباتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن تدعم الكيان الإستعماري الإسرائيلي وإدامة إحتلاله الإرهابي لفلسطين وتصف جرائمه وإعتداءته وإقتحاماته للمدن والقرى والمنازل بالدفاع عن النفس بينما تطلق على مقاومة وثورة الشعب الفلسطيني منذ إنطلاقتها عام 1965 بالإرهاب .
* عدم الثقة بالكيان الإسرائيلي العنصري الذي سرعان ما ينقلب على توقيعه وإلتزاماته بموجب اي إتفاق ثنائي وما إنقلابه على إتفاق اوسلو والمعاهدة الإردنية الإسرائيلية وعلى وعوده قبيل توقيع إتفاقيات الإذعان مع الإمارات والبحرين والمغرب فيما يتعلق بفلسطين إلا نموذجا لذلك عدا عن الفوقية والسادية التي يتعامل بها قادة الكيان الصهيوني مع دول عربية وغير عربية .
ساتناول في الجزء الثاني من المقال الأطراف المستفيدة والرابحة والخاسرة تحليلا لما تضمنه مقال فريدمان حول صفقة بايدن بإذن الله….؟
صفقة بايدن ام صفعة بايدن؟ … توقيت واهداف وعقبات ؟ 1/ 2 د. فوزي علي السمهوري
27
المقالة السابقة