كتب:منيب رشيد المصري
مع اعتزام حكومة بريطانيا تصنيف حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كمنظمة إرهابية” بحجة “معاداة السامية”، تكون بريطانيا، وبشكل لا يقبل الشك، قد أكملت الحلقة المراد بها وضم كل ما هو فلسطيني بالإرهاب، والتي بدأت منذ زمن على يد الحركة الصهيونية وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والاتحاد الأوروبي، الذين سبقوا بريطانيا في تصنيف حركة حماس على أنها حركة إرهابية.
وكانت بريطانيا، وفي وقت سابق، قد اعتبرت الجناح العسكري لحركة حماس، منظمة إرهابية، وبحسب تصريحات لوزيرة الخارجية البريطانية فإنه “”لم يعد بإمكاننا فصل الجانب العسكري عن السياسي”، وأن الحكومة ” ستضغط من أجل تصنيف حركة حماس تنظيما إرهابيا”، مما يعني أنه سيتم طرح هذا الموضوع على البرلمان البريطاني والذي إذا ما أقره، تكون بريطانيا بمؤسساتها الدستورية قد خضعت بشكل كامل للضغوطات التي تمارسها الحركة الصهيونية عليها منذ عشرات السنين، وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، حينما التقت المصالح البريطانية الاستعمارية مع مصالح الحركة الصهيونية وأصدرت إعلان بلفور في الثاني من نوفمبر من العام 1917، وهي الآن تعيد إنتاج هذا الوعد بنسخة جديدة تخدم مرة أخرى أهداف الحركة الصهيونية الاستعمارية العنصرية التوسعية.
من الواضح أن بريطانيا، وعوضاً عن تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني عن إصدارها لإعلان بلفور، وما جره من مآسي ونكبات مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وأيضا بدلاً من تقديم اعتذار ثاني للشعب الفلسطيني عن جرائمها أثناء فترة انتدابها لفلسطين، وتهيئتها الأجواء للحركة الصهيونية لتجسيد هذا الإعلان على الأرض بتقديمها كل الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات العسكرية والمدنية الصهيونية، وعملياً تسليم فلسطين لها، تقوم بالإيغال في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني من خلال قرارها بتصنيف حركة حماس كحركة إرهابية. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أنني بصدد رفع دعوى قضائية أمام المحاكم البريطانية ضد حكومة بريطانيا التي أصدرت إعلان بلفور لمطالبتها بالاعتذار والتعويض، ومن المرجح أن تُقدم هذه الدعوى مع بداية العام القادم.
وقبل أن أدخل في موضوع استمرار بريطانيا في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، أريد الإشارة إلى إعلان حكومة إسرائيل ستة منظمات أهلية فلسطينية كمنظمات إرهابية، ودعم الولايات المتحدة غير المعلن لهذا القرار، الذي يؤكد تقاسم أدوار بين إسرائيل وبريطانيا وأمريكا حول وضم كل ما هو فلسطيني بالإرهاب، ونزع الشرعية عن النضال الوطني الفلسطيني، بما فيه النضال السلمي.
إن عزم بريطانيا على اعتبار “حماس” حركة إرهابية” تحت ذريعة “معاداة السامية” يأتي في سياق استمرار بريطانيا في سياساتها الاستعمارية المناهضة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وقواه التحررية، وأيضاً في سياق مخطط شامل لشيطنة كل ما هو فلسطيني ووصمه بالإرهاب، ولكن أقول لحكومة بريطانيا لماذا تعرضون هذا الاقتراح على البرلمان قبل إصداره لإعطائه الشرعية الدستورية، ولم تعرضوا، في حينه، إعلان بلفور على ذات البرلمان؟، الجواب بسيط جداً لأنكم تعلمون أن هذا الإعلان هو غير أخلاقي وغير قانوني، وسوف يسقط في البرلمان، والآن بعرضهم اقتراح اعتبار “حماس” حركة ارهابية على البرلمان، رغم أنه غير أخلاقي وغير قانوني، إلا أنكم متأكدون بنجاح هذا الاقتراح لأن الحركة الصهيونية متغلغلة تماماً في مفاصل الدولة ولها أذرعها داخل أروقة الحكم، رغم أنني أتمنى أن يسقط هذا الاقتراح في البرلمان وأن ينتصر أعضاءه للأخلاق والحق والمنطق.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بريطانيا ليست واحدة وموحدة في موقفها من حقوق الشعب الفلسطيني، ومن إعلان بلفور، ومن الحركة الصهيونية وإسرائيل، ونرى ذلك واضحا في تصويت حزب العمال البريطاني، وهو ثاني اكبر حزب في بريطانيا، في مؤتمره السنوي العام، بأغلبية واضحة مع قرار يدين “النكبة المستمرة في فلسطين، وهجوم إسرائيل العسكري على المسجد الأقصى، والتهجير المتعمد في الشيخ جراح، وحرب إسرائيل على غزة”، ويرحب بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل، وإشارة ذات الحزب إلى قرار صادر عن مؤتمر النقابات العمالية في عام 2020 وصف فيه نشاط إسرائيل الاستيطاني بأنه جزء من جريمة الفصل العنصري الأبرتهايد التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة، داعيا نقابات العمال في أوروبا وكافة أنحاء العالم لـ”الالتحاق بالحملة الدولية لوقف ضم الأراضي وإنهاء نظام الأبرتهايد”. وأيضا صحيفة الغارديان، وهي من كبرى الصحف البريطانية، اعتبرت دعمها لوعد بلفور، في حينه، من أسوأ الأخطاء التي ارتكبتها خلال 200 عام من تاريخها، ولا يمكن فصل هذا السياق عما يحدث أحياناً في دولة الاحتلال عندما يكتب الضباط المتقاعدون عما فعلوه من أخطاء (جرائم) بحق الشعب الفلسطيني، وهذا يدلل على حجم المأساة المدعومة دوليا، بشكل غير أخلاقي وغير شرعي، التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب وعد بلفور.
سواء نجح اقتراح تصنيف حركة حماس على أنها حركة إرهابية داخل البرلمان أو سقط، نحن نقول أن حركة حماس هي جزء أصيل من حركة التحرر الوطني، وهي جزء أساسي من النسيج الاجتماعي والوطني للشعب الفلسطيني، وأن حركة حماس، كباقي الفصائل والاحزاب الفلسطينية، تسعى إلى الوصول إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته مثل باقي شعوب الأرض، وأن القانون الدولي وبشكل واضح وصريح أعطى لحركات التحرر الوطني الحق الكامل بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح، وأنا شخصياً وصلت إلى قناعة تامة،_ وبعد كل محاولاتي مع الإسرائيليين، وبعد حياة طويلة مع الأخ الشهيد ياسر عرفات والاخ الشهيد أبو جهاد والكثير من القادة الفلسطينيين الذين آمنوا بكل أشكال المقاومة، وبعدها دخلوا في “مشروع سلام” مع إسرائيل وتم خذلانهم وتصفيتهم جسدياً، وأيضا بعد محاولات الأخ الرئيس أبو مازن الوصول إلى سلام مع دولة إسرائيل وتصريحاته العلنية بأنه يدعم المقاومة الشعبية السلمية-، وصلت إلى قناعة بأن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة، لأنه هو الارهاب، والارهاب يتم محاربته بالقوة، وهذا ما تعمل عليه حركة حماس التي أكن لها، والكثير من أبناء الشعب الفلسطيني، كل الاحترام والتقدير.
حركة حماس، التي تعرفت على قادتها عن قرب وتعاملت معهم أثناء السعي لإنهاء الانقسام، وقبل ذلك أيضا، لا يمكن لها، وبحكم عقيدتها الدينية والوطنية والإنسانية، أن تمارس الإرهاب، ولا يمكن لها “معاداة السامية” لأن العرب من نسل سام بن نوح، لذلك لتدع بريطانيا هذه الاكذوبة “معاداة السامية” جانباً، وأقول لبريطانيا ولكل من يحاول وصم النضال الفلسطيني بالإرهاب؛ إذا ما اختلفنا مع حركة حماس فهذا شأن داخلي فلسطيني، ولا يمكن لأي فلسطيني أن يقول عنها أنها حركة إرهابية، أو أن يتعامل مع هكذا مفهوم بحق أي من فصائل المقاومة الفلسطينية التي هي أساساً تدافع عن شعبها من جرائم الاحتلال ومن يقف خلفه، وإن نضال الشعب الفلسطيني منذ العام 1917، لغاية الآن هو نضال من أجل الحصول على حقه في تقرير مصيره الذي سلبه منه وعد بلفور حينما اعتبر أصحاب الأرض التاريخيين عبارة عن طوائف “غير اليهودية” مقيمة في فلسطين، وسلب حقهم الطبيعي في ممارسة كافة حقوقهم المدنية والسياسية على أرضهم.
النضال الفلسطيني ليس ولن يكون إرهاباً، ونحن نسعى إلى الوصول لحقوقنا المشروعة، ونعي تماماً أنه وفي ظل الانقسام الفلسطيني، الذي أعتبره أنا شخصيا “بلفور 2” لما يشكله من تهديد حقيقي على الوجود الفلسطيني، لن نستطيع فعل شيء، وأن استمراره يعني أن نعطي مزيداً من الفرص للحركة الصهيونية ومن يدعمها بوصم نضالنا بالإرهاب، واخذنا فرادا وجماعات بشكل مستمر لوصمنا بالإرهاب، لذلك علينا أن نتوحد حتى لا ينطبق علينا مقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، فنضالنا شرعي وندافع به عن أنفسنا، ولا نريد للانقسام أن يلوثه، وهدفنا أن نعيش على هذا الكوكب مثل باقي شعوب الأرض ولا نريد للاحتلال أن يسرق منا هذا الحق، ونسعى إلى ازدهار الإنسانية ولا نريد أن نُقتل من أجل هذه المهمة النبيلة، أزيحوا عنا هذا الظلم التاريخي لكي يحيا الجميع بأمن وسلام، ولنبني مستقبل أفضل لأبنائنا واحفادنا ولنجنبهم الحروب ومآسيها، فنحن عشنا هذه النكبات ولا زلنا، ولا نريد أن نورثها للأجيال القادمة، فنضالنا دفاعاً مشروعاً عن النفس وليس ارهاباً ولن يكون