مبروك وسام الإشادة يا “أبا محمد”..

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
سررت وانشرح صدري حين علق السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان “أدام الله ملكه” وساما رفيع المستوى هو “وسام الإشادة السلطانية من الدرجة الأولى” على صدر أبي محمد “يوسف بن علوي بن عبدالله” الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني الأسبق، والذي أمضى في منصبه أكثر من ثلاثة عقود ترك فيها على الدبلوماسية العمانية وحتى العربية بصمات واضحة وقفت وراءها حكمته وأريحيته وبصيرته وسعة صدره وقدرته على رسم أكثر من سيناريو للحالة الواحدة..
ظل يوسف بن علوي يؤمن بأن لا مستحيل أو غير ممكن في الدبلوماسية والسياسة، وظل يحمل عُمان في صدره ورؤيته وإرادته ويبشر بها مستلهما نهج السلطان قابوس وخطاه، ومستوعبا بوعي تاريخ عمان ودورها ومآثرها في العرب والمسلمين وكل من رأى في السلام حياة وبناء..
ما الوسام إلا محطة تتويج لينصرف هذا الرجل الذي أعطى الكثير ليرتاح ولو قليلا، وان كنت اعتقد انه لن يذهب بعيدا فقد أصبح مخزن افكار وتجارب وخبرات ومعلومات لم يكتنزها غيره ممن جايلوه في مواقع المسؤولية حتى غدا الابرز فيهم.
ابن علوي الآن في حالة تؤهله ليكون أمينا عاما للجامعة العربية لو كانت ما زالت جامعة ، وحتى للأمم المتحدة التي قدم فيها مداخلات توقفت عندها الكثيرون.
كنت محظوظا بلقاءاتي العديدة معه واستماعي إليه ومجالسته في العمل وفي الاجازة،ولم يبخل علي بشيء من حكمته “فمن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” ولا بمعرفته وحتى في رؤيته للأشياء .
كان أدام الله عليه الصحة والعافية ومتعه بالتقاعد الهادئ قد استجاب لفكرة أن أضع كتابا عن “الدبلوماسية العمانية في نصف قرن” ، وحرص أن يتحدث لي طويلا في مضمونه وفي أكثر من مناسبة ، وقد تعلمت منه الكثير في رؤيته للأشياء وفي تبسيط الصعب وتناول الأشياء المعقدة بأسلوب هادىء وتفاؤل مثمر خاصة في مواضيع تتعلق بالقضية الفلسطينية ورؤيته لها ، ونقده لكيفية تعاطي النظام العربي مع قضية القدس وقضايا أخرى يتحدث فيها العرب بلغتين واحدة للعلن وأخرى في السر..
كنت أُكبر فيه مثابرته وأقدر سؤاله عني وتكريمي باللقاء معه في زياراتي العديدة لعُمان وخاصة في مسقط وصلالة، وفي اتاحة المجال لأن أحاوره عبر شاشة التلفزيون الأردني في برنامج “حوار مع كبار”..
كثيرون لا يعرفون اطلاعه العميق على التراث العُماني والعربي وعلى محفوظاته الأدبية والثقافية و استخلاصاته وقدرته على التحليل وما يتمتع به من نظرات لماحة واستبطان للمواقف وحرص على وحدة الصف العربي، ورفق في النقد وتشذيب للكلمات، فقد كان دبلوماسيا بالنشأة والتعاطي، وقد احتفظت لغة الدبلوماسية وادبياتها له بمصطلحات ستظل باقية كوصفه مصر بـ “عكازة الأمة” وغير ذلك الكثير مما كتبته عنه في غير هذا الموقع…
اعتقد ان الرجل شخصية فريدة في وعيه ونهجه واسلوبه، وله قاعدة عريضة من المحبين له في أرجاء عُمان و في العالم العربي ، رغم انه ليس شعبوبا ولم يسع لذلك، فقد كان دائما يضع جهده في إطار الأدب السلطاني واشتراطاته، وقد رافقته في الجبل “منطقة ظفار” وصلالة ورأيت كيف يستقبله اهل المنطقة ويحتفون به وما قدموه له من هدية كانت قطعة من السلاح الذي ظلوا دائما يتفاخرون به…
كان بن علوي كما وصفته مطفئ حرائق من طراز رفيع، ورجل مهمات صعبة لإزالة التوترات وتخفيفها، فكان في ليبيا وقد قابل القذافي لمعالجة آثار “حادثة لوكربي” وإعادة تأهيل ليبيا مجددا، وكان ساعيا لوقف النار يين العراق وإيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية.. وكان عرّاب اللقاءات بين الامريكيين والايرانيين في مسقط ،وهي اللقاءات التي انتجت الاتفاق النووي الذي ندم العالم لالغائه من جانب الادارة الامريكية الحالية..
وكان يحذر في الجامعة العربية وفي مجلس وزراء الخارجية العرب من مغبة التعاطي مع قضية القدس بالشكل الذي كان سائداً، وكان اول وزير خارجية عربي يزور القدس ويلتقي القيادة الفلسطينية، وقد دخل البيوت من ابوابها واستأذن وسلم على أهلها، فكان الترحيب به عظيما والثناء عليه جزيلا..
كان في الجزائر لنزع فتيل صراع مذهبي حين انصف الجزائر حكومة وشعبا وانتصر لاصحاب مذهب أقلية، وكان قد بذل جهودا في ما واجهته قطر من حصار وازمة، وكان مع وزير خارجية البحرين الذي امضى معه اياما في الجبل، كان لها تاثير في تحديد مواقف مهمة..
كان في ورشة البحرين حاضراً وله رأي، وفي اجتماع “وارسو” حيث العرب واسرائيل ليؤكد على موقف السلطنة الذي لا يتطابق مع ما ذهبوا اليه.. وكان حارس مرمى قوياً في سلامة مجلس التعاون الخليجي حين كان مرمى المجلس مستهدفا بالتجيير والهيمنة، ليؤكد على مواقف سلطنة عُمان ويحذر من حرق المراحل او الهروب الى الامام، او اسراج خيل المجلس لغير الاهداف المعلنة فيه.. فكان يحذر من سرعة الاندماج على غير هدى، وبدون قواعد راسخة ويدعو الى التكامل والتنسيق وانجاز خطوات أسبق والصبر على كل ما يزرع ليثمر..
كان في سوريا حين انفض عنها الاقارب والاشقاء، وغزتها الجيوش والميليشيات، ورأى كيف يلقي أخوة يوسف اخوهم في الجب دون ان يعبئوا مَن مِن السيارة سيلتقطه.. كانت السلطنة قد اسندت الموقف السوري وانفردت بموقف يتميز في الحفاظ على دور سوريا العربي .. وعدم ابعادها وتهميشها لمخاطر ذلك، فقد جربت السلطنة ان تكون في نفس الموقف حين ابعدت مصر بعد “كامب ديفيد” لتترك، لكن السلطان قابوس حينها قال: “مصر لا تُعزل”، ومضى يعود اليها ويحملها لتعود الى العرب وتكون “عكازة الامة” كما يقول بن علوي شخصيا..
لا استطيع في عجالة ان اذكر تاريخ اكثر من ثلاثين سنة عن هذا الصديق، ولكني ذكرت في عجالة شيئاً مما أعرفه بتواضع، وهناك الكثير مما لا أعرفه يستحق كتابا كبيرا، فابن علوي مدرسة ثابتة الاركان وسيرته مسيرته وعمله جدير ان تؤلف فيه الرسائل وان تطلع عليه الجامعات وان تتعلمه الدبلوماسية في وزاراتها وسفاراتها..
وهذا ما جعل السلطان هيثم يكرمه، فقد كرم فيه زميلاً رافقه في وزارات السلطان قابوس وأقر له بالفضل والاشادة، وهذا هو اسم الوسام الذي يستحقه بن علوي بجدارة..

شاهد أيضاً

التصنيف الائتماني* سلامة الدرعاوي

عروبة الإخباري – تعامل الأردن مع موجات الاضطراب الاقتصادي والسياسي الإقليمي يُظهر صورة معقدة ومتعددة …