عروبة الإخباري -كتب سلطان الحطاب
هبت سلطنة عُمان وخرجت على بكرة ابيها لمواجهة ما خلفه “اعصار شاهين” من دمار في حالة من التطوع الواسع الذي يدخل قاموس “جنيس” ولم يسبق اليه شعب بهذا الاجماع..
أهل عُمان الذين قال فيهم الرسول (ص) “آمنوا بي قبل ان يروني” يأخذون بأثره الآن عندما قال “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وهذا ما جرى في عُمان في الايام الماضية والان.
ففي التسونامي الماضي قبل عدة سنوات والذي خلف كثيرا من الاضرار المادية التي اصابت الشواطئ والطرق والابنية والمرافق لم يندب العُمانيون حظهم ولم يذهبوا الى الصراخ ومناشدة المجتمع الدولي، او حتى المجتمعات المحيطة او في الاقليم، بل مضوا صامتين للعمل خلف السلطان الراحل، وما هي إلا اسابيع قليلة وكأن شيئا لم يحدث، ومضت المسيرة العُمانية وتعلم العُمانيون انه “ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت جميع امرك “ووضعوا للعالم نموذجا ومسطرة وكيف يمكن ان يكون العمل في خدمة الاوطان..
هذه المرة تعلم العُمانيون من الدروس السابقة وانتظروا تملأهم العزيمة والدعاء قائلين: “اللهم لا نسالك رد القضاء وانما اللطف به” وكان، ولطف الله في السلطنة التي ضربها الاعصار فخلف خسائر مادية خاصة في منطقة الداخلة التي يتدفق اليها العُمانيون الآن من كل بلادهم ومن كل فج عميق ليشهدوا معركة التطوع والجهاد، جهاد النفس من اجل الوطن، فلا يبقى بيتا مهدوما ولا يجوع فرد انقطعت به السبل وفرقه الاعصار، ولا ينقطع احد عن التواصل..
لم تنتظر عُمان المجتمع الدولي وتكتفي بتوزيع صور الاعصار وما خلف من اثار، بل مضت الى العمل وكأن لا احد في العالم سواها، المزاج العُماني معروف في هذا السياق ونموذجه معمم، فالسلطنة تربي شعبها على الاعتماد علم النفس، وعلى مد يد العون والمساعدة للاخرين استطاع على ذلك..
واذا كان الاعصار السابق قد وقع في زمن السلطان قابوس- رحمه الله- فان هذا الاعصار “شاهين” يقع الآن في زمن السلطان هيثم بن طارق الذي انتخى العُمانيين وحرضهم على النهوض لاعادة اعمار ما اصيب وبالسرعة التي تذهل العالم، وعلى الاستجابة المدهشة حيث انخرط الكبار والصغار والرجال والاطفال في معركة اعادة البناء ..
وطن كهذا لا يهزم لأن فيه ارادة جماعية ،و”حين تقوم الارادة لا تعدم الوسيلة” رأيت العُمانيين قبل سنوات حين كنت في السلطنة بعد الاعصار مباشرة كيف يعملون، و كيف يبنون ولا ينتظرون من يدعمهم ، وهاهم الآن يفعلون ذلك وزيادة .. وها هو شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع يتفقد بالهيلوكبتر المواقع المصابة فيرى العمانيين وقد زحفوا باتجاه الخلل، ليصلحوا و يعيدوا الامور الى ما كانت عليه..
عُمان الآن ورشة كبيرة للتطوع والعطاء و بروز دور الجنود المجهولين، فمن اراد ان يتعلم او يتدرب فلينظر هناك ما الذي جرى ويجري، وكيف يمكن الرد على التحديات مهما كانت، سواء كانت طبيعية او من عمل الانسان..
الكلمات القليلة التي حفز السلطان هيثم بن طارق فيها المعنيين من حوله تركت اثرها العميق وسرت في ارادة الناس سريان النار في الهشيم، وحولوا والتوجيه والرغبة السلطانية، وانفذوها الى عمل سريع، من خلال كل الشعب الذي وصلته الرغبة السلطانية، فكان الجهاد الاكبر في خدمة الوطن المحتاج لذلك وهو عند العُمانيين جهاد فرض لا جهاد كفاية، يخرجون كلهم اليه لا ينتظر احد ولا يتعطل احد ، او يمتنع الا اذا كان صاحب عذر، أو دافع مال ليجهز ليجخز غسره للمشاركة في معركة الشرف معركة علاج المرض..
لقد قاتل العمانيون ضد الكورونا وقاتلوا ضد اعصار “شاهين” بما استطاعوا، وهم سيخرجون بانتصار ليس لأنهم يختلفون عن البشر في تكوينهم الخلقي، ولكن لأنهم يحبون وطنهم ويؤمنون يه ويثقون بقيادتهم ويستجيبون لندائها وفي ذلك يتنافسون..
لو ان دول العالم التي واجهت كوارث وامراض وحروب ومجاعات عملت وتدربت كما عُمان لرأيناها تخرج من ذلك و تواصل مسيرتها بالمشاركة… فالشعوب التي لا يدربها قادتها او يتركونها لا تعتمد على نفسها تصبح عاجزة بالضرورة ومستسلمة بالضرورة ، وتصبح كمثل الحال الذي يقول “اعطه في كل يوم سمكة ولا تعلمه الصيد” والاصل ان تعلمه الصيد لأن السمك قد لا يكون متوفرا لتعطيه، فماذا يفعل إن لم يتعلم الصيد…
نهنئ الاشقاء العُمانيين بالسلامة ونبارك لهم تكاتفهم وحشدهم، وقيام ارادتهم لمواجهة الخطر.. فأحفاد الازد مازالوا يقدمون الدروس منذ اعتصموا بجبال عُمان وحافظوا على خصوصيتهم ودورهم واستقبلوا البحر وسجلوا فيه اروع الملاحم ..