كل معركة هي انبثاق لعدد من الفرص لكل من طرفي القتال. والحرب او الصراعات التاريخية ليست أكثر من القدرة على امتلاك سلة لتجميع ثمار المعارك. فإدارة الحرب والصراعات هي ببساطة مهارة جمع غلال وحصاد المعارك. فمن لا يحسن جمع ثمار المعارك، ولا يستطيع تطوير «سلال» وآليات عمل سياسية ودبلوماسية للحصول على صافي الغلة، سيكون حصاده من الحرب هزيمة نكراء، أياً كانت موازين القوى العسكرية ومستوى اداء الجيوش في ميادين القتال. ويلات المعارك وآلامها، مبررة بثمارها، وهذه الثمار منصات احتدام على مسرح عمليات غير عسكري.
وهذه الإشارات لإضاءة مقترح بتطوير آلية عمل لجر حركة الاستيطان الإسرائيلية إلى خط النار. فما يجري منذ عقود، يتمثل في قيام أجهزة ومؤسسات الدولة في إسرائيل، بتقديم مظلة سياسية وعسكرية لحماية الحركة الاستيطانية، وإن نأت بنفسها عن سلوك وعمل المستوطنين غير القانوني. فبعد كل معركة نرى أن المكون الإسرائيلي الأضعف (حركة الاستيطان)، وهو الخاصرة الرخوة لإسرائيل، بقي خارج خط النار.
اعتداءات المستوطنين على أهالي الشيخ جراح، وتداعياتها السياسية الوطنية والعسكرية، تقدم فرصة مثالية لجر حركة الاستيطان لخط النار. واستئناف المستوطنين لهجماتهم بعد توقفت نيران المعارك والصواريخ، وكأن كل ما جرى لا يعنيها، مطمأنة إلا أن الجيش سيبقيها في منأى عن خط النار، فرصة ذهبية يجب عدم التفريط بها.
الاحتدام غير الدموي، هو الذي يستطيع أن يجمع أزهار الدم وثمارها، ويتمثل في توظيف كل تضاريس الصراع، (خارج ميدان المعركة)، لضمان حشد مزايا التفوق فيها. إسرائيل تحضر لجر الفلسطينين لمعركة مع جيشها بميزان لصالحها يصل إلى 30-1. والمطلوب تطوير وسيلة عمل، تمنع وتعيق الجيش الإسرائيلي من تحقيق هذا الهدف، وتمكننا من العمل على شل حركة الاستيطان لمنعها من إنتاج معارك جديدة ضمن موازين القوى الحالية.
المهمة المطلوبة ليس بصعوبة بناء الصواريخ وانتاجها تحت الحصار. المطلوب الآن تطوير وسيلة عمل تمكن من جر حركة الاستيطان الإسرائيلي إلى ساحة معركة في المسرح العالمي. وذلك بالعمل على نقل الأداء على منصة الاحتدام مع المستوطنين، في كل الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال إلى المسرح العالمي. توظيف مزايا الفلسطينيين، وشل الحركة الاستيطانية، تتطلب الالتفاف على استراتيجية جابوتنسكي بتوظيف الحديد والنار.
السؤال البسيط الآن، كيف نحول كل هجمة استيطانية إلى ساحة معركة يكون المستوطنين جزء أساسي من ساحة الاحتدام فيها. فالتحدي هو منع إسرائيل من نقل مسرح عمليات مواجهة الاستيطان من ساحة الصدام معهم، إلى معركة يكون الجيش الإسرائيلي طرف فيها، لتتمكن إسرائيل من استعمال ميزتها العسكرية لكسر المقاومة الشعبية الفلسطينية وحصرها وعزلها. المطلوب تطوير وسائل مدنية إعلامية ودبلوماسية وسياسية (عالمية) لمواجهة المستوطنين. وهذا لا يتطلب وسائل عسكرية ودموية، بل وسائل فردية جداً (البوكس والشلوط)، والتي ثبت جدواها في معركة الشيخ جراح.
أبرز ثمار الدم في غزة، هو فرصة تحويل تحويل الحركة الاستيطانية نفسها إلى جبهة جديدة، لا تملك فيها إسرائيل أي مزايا، لاستنزافها على المدى البعيد. التحدي الوحيد هو كيف نواجه هجمات المستوطنين المنسقة والمنظمة، بوسيلة مقاومة فعالة، تستطيع حشد المزايا المتاحة للجانب الفلسطيني لكسر الحركة الاستيطانية وتفكيكها. فليس متاحاً إلحاق هزيمة بالحركة الاستيطانية بالضربة القاضية.
ولاستمثار فرصة استمرار هجمات المستوطنين، يمكن تشكيل مكتب تنسيق لمواجهة هذه الهجمات، ويكون مجال عمله، ربط كل هجمة استيطانية بالمسرح العالمي، بتوظيف كافة الوسائل الدبلوماسية والسياسية والإعلامية. على أن تكون وسائل الاحتدام هي التي تم اختراعها في معركة الشيخ جراح، البكس والشلوط.