عروبة الإخباري- في توقيت حساس وبالتزامن مع التطورات المتلاحقة والجدل المتزايد حول العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا والعراق، فتحت وسائل الإعلام التركية ملف وثائق الملكية «الطابو» التي تعود لفترة الحكم العثماني لمدينة حلب في سوريا، ومدينتي الموصل وكركوك في العراق.
التقرير الذي أعدته وكالة الأناضول الرسمية باللغة التركية ونشرته معظم وسائل الإعلام التركية قال إن الأرشيف الرسمي في تركيا يحتفظ بأكثر من 77 ألف و63 وثيقة تسجيل أملاك أصلية «طابو» تعود لفترة الحكم العثماني في مدينتي الموصل وكركوك العراقيتين.
وحسب التقرير، تعود هذه الوثائق «الطابو» لفترة الحكم العثماني الذي كان سائداً في المدينتين الواقعتين شمال العراق، وتمتد ما بين عامي 1847-1917 ويتم الاحتفاظ فيها حاليا بدائرة الأرشيف التابعة لمديرية «الطابو» في وزارة البيئة والتخطيط العمراني في العاصمة التركية أنقرة.
وأوضح التقرير أن الأرشيف يتضمن أيضاً 32 دفتراً تحتوي على آلاف الوثائق المشابهة «طابو» تتعلق بمدينة حلب السورية، وبينما لم توضح المصادر عدد الوثائق المتعلقة بحلب لفتت إلى أنها موجودة في 32 مجلدا كبيرا، في حين توجد الـ77 ألف وثيقة المتعلقة بالموصل وكركوك في 45 مجلدا، وبالتالي تُقدر إجمالي الوثائق المتعلقة بالمدن الثلاث بقرابة 100 ألف وثيقة.
التقارير المنشورة والتي لفتت إلى أن هذه الوثائق تعود للمواطنين العثمانيين في تلك المدن إبان الحكم العثماني، لم توضح ما إذا كانت تعود لمواطنين من أصول تركية حصلوا على ممتلكات في تلك المدن أم أنها تعود إلى المواطنين الأصليين من السوريين والعراقيين، لكنها ركزت على إبراز جانب الإدارة العثمانية لتلك المدن حتى إلى ما قبل قرابة 100 عام فقط.
وفي عام 2003 إبان الاحتلال الأمريكي للعراق أثيرت قضية تتعلق باتهام المخابرات التركية بالقيام بعملية سرية في شمال العراق تم بموجبها استنساخ أوراق حق الملكية «الطابو» في مدينتي كركوك والموصل، وحرق دوائر الطابو في هاتين المدينتين، لكن أي مصادر رسمية عراقية لم تؤكد ذلك ونفت مصادر رسمية تركية هذه الأنباء.
وتكمن حساسية هذه المعلومات كونها تأتي في ظل استمرار الجيش التركي في توسيع عملياته في شمال سوريا ضمن عملية «درع الفرات» التي تمكن الجيش التركي من خلالها من بسط السيطرة على قرابة 1300 كيلومتر من الأراضي معظمها في ريف حلب، وتأكيد المسؤولين الأتراك أن جيشهم سيواصل عملياته في مدن الباب ومنبج والرقة خلال الفترة المقبلة.
كما أنها تأتي في ظل المؤشرات المتزايدة على إمكانية وقرب حصول تحرك عسكري تركي بري في شمال العراق، وسعي أنقرة بكل قوتها السياسية والعسكرية للمشاركة في عملية تحرير الموصل من تنظيم الدولة ورفضها إخلاء معسكر بعشيقة للجيش التركي في العراق.
وفي خطاب له قبل أيام، لفت أردوغان بشكل مباشر إلى أن مدينتي الموصل وكركوك «كانتا تابعتين لتركيا» حسب تعبيره، وقال: «يجب فهم أن كركوك كانت لنا، وأن الموصل كانت لنا.. لماذا هذا الكلام لا يعجبهم؟ أنا فقط قدمت درسا في التاريخ، يجب فهم هذا».
وفي تصريح غامض أثار الكثير من الجدل داخلياً وخارجياً طالب أردوغان بداية الشهر الجاري بتعديل اتفاقية 24 تموز/يوليو الموقعة في مدينة لوزان السويسرية في عام 1923، التي على أثرها تمت تسوية حدود تركيا القائمة حالياً.
وطوال الفترة الماضية أطلق كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان سلسلة تهديدات ركزت على أن الجيش التركي سوف يتدخل في شمال العراق في حال حصول تهديد مباشر للأمن والمصالح التركية انطلاقاً من الأراضي العراقية.
وبالتزامن مع ذلك قامت وسائل الإعلام التركية بالتركيز على إعادة نشر وترويج اتفاقية تاريخية موقعة بين تركيا والانتداب البريطاني في العراق عقب الحرب العالمية الأولى، تتيح ـ بحسبهم ـ للجيش التركي التدخل لحماية التركمان في مدينة الموصل، في مشهد يوحي بتسويق الغطاء القانوني للتدخل العسكري المحتمل.
وتعتبر الموصل من آخر المناطق التي تخلت عنها تركيا، حيث نشبت عقب الحرب العالمية الأولى أزمة دبلوماسية حادة بين المملكة العراقية والجمهورية التركية حول مصير ولاية الموصل التي كانت حتى ذلك الوقت جزءاً من الدولة العثمانية، وعقب حرب الاستقلال اعتبرت الجمهورية التركية الحديثة الموصل واحدة من القضايا المحددة في الميثاق الوطني، وقال مصطفى كمال أتاتورك في اجتماع مجلس الأمة عام 1920: «حدود أمتنا، من الإسكندرون جنوباً، وفي الجنوب الشرقي تضم الموصل، السليمانية وكركوك».
لكن بريطانيا التي احتلت العراق عقب الحرب تمكنت ـ بصفتها ممثل العراق كونها قوة انتداب ـ من طرح القضية في الساحة الدولية، وتوسيع نطاق ذلك وصولاً إلى جعلها مشكلة حدود بين تركيا والعراق، وعقب مناوشات سياسية وتهديدات عسكرية تم التوقيع على معاهدة أنقرة في العام 1926.
ونصت الاتفاقية على أن تتبع ولاية الموصل للعراق ويكون خط بروكسل هو الخط الفاصل الذي يتفق عليه العراق وتركيا، كما نصت على أن يعطي العراق 10٪ من عائدات نفط الموصل لتركيا لمدة 25 سنة، حيث شاركت تركيا العراق في نفطه حتى عام 1954 وتوقف الدفع تماما بعد ثورة 1958 ومجيء عبد الكريم قاسم للحكم، كما تقول تركيا إن الاتفاقية ضمنت حق أنقرة في التدخل العسكري في الموصل ومناطق في شمال العراق من أجل «حماية التركمان».
وفي مقال له بصحيفة «أكشام» كتب الخبير التركي أمين يازجي: «الاتفاقية الموقعة عام 1926 تضمن لتركيا حق حماية الأشقاء في الموصل إلى الجمهورية التركية، أي بمعنى منح حق الضامن إلى تركيا»، مضيفاً: «نحن أصحاب حق في أراضي تمتد على مساحة 90 ألف كيلومتر مربع. ويشمل ذلك أيضا كركوك التي تعتبر تابعة إلى التركمان، فبالنسبة لنا الموصل شأنها شأن قبرص، بالعودة إلى الاتفاقية، فإنه من حقنا التدخل في حال تعرض أمن أشقائنا هناك للخطر».
ويقول مؤرخون أتراك إن مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وعد نواب البرلمان المعترضين على اتفاقية أنقرة التي تم التخلي بموجبها عن الموصل بالعمل على «استعادة الموصل في الوقت المناسب، أي حين يأتي وقت نكون فيه أقوياء».
وقبل قرابة الأسبوع، نشرت صحيفة «ديليليش» التركية المؤيدة لأردوغان، خريطة لتركيا تضم أجزاء من العراق وسوريا وبلغاريا، وكتبت الصحيفة عنوان على الخريطة: «هل هذه الأراضي مقتطعة من تركيا؟»، مذكرة بالميثاق العثماني لعام 1920 الذي يؤكد أن هذه الأراضي تعود لتركيا.
وعقب إطلاق عملية «درع الفرات» في سوريا، تداول نشطاء أتراك على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لخريطة جديدة قالوا إنها تمثل الحل الأنسب لتركيا وتنهي مشاكلها على المدى البعيد، مطالبين الحكومة التركية بالعمل على تطبيقها بكل الطرق.
وتشمل الخريطة التي اقتصر تداولها على عشرات المغردين خريطة تركيا الحالية تُضاف إليها مناطق من شمال سوريا وخاصة محافظة حلب إلى جانب مناطق شمال العراق المتمثلة في إقليم كردستان وجبال قنديل التي يتمركز فيها مسلحو حزب العمال الكردستاني.
وتؤمن شريحة من الشارع التركي بضرورة ضم مناطق من شمالي سوريا والعراق إلى تركيا، في المقابل يتهم نشطاء عرب تركيا بالسعي للتوسع في الدول العربية واستعادة أمجاد الدولة العثمانية، لكن الحكومة التركية نفت مراراً وجود أي أطماع لها في الأراضي السورية أو العراقية، وأكدت أن الجيش التركي سوف ينسحب من الأراضي السورية فور إنهاء خطر المنظمات الإرهابية.(القدس العربي)