دول مجلس التعاون أعلنت وقوفها مع الرياض ضد التجاوزات الإيرانية، مؤملةً أن تسجل الدول العربية الأخرى موقفاً قوياً في اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة الذي عقد أمس. اجتماع وزراء الخارجية العرب لبى أمنية دول التعاون، ودان اعتداء إيران على السفارة والقنصلية السعوديتين، ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية عامة.
المطلوب اليوم موقف أكثر من الإدانة. إقدام إيران على “تسهيل” حرق السفارة والقنصلية السعوديتين، ينبغي أن يصبح نقطة تحول في الموقف العربي تجاه طهران. ليس المطلوب إعلان الحرب على إيران بل اتخاذ موقف سياسي جماعي، يترجم الرسالة السعودية للنظام الإيراني. مشكلة العرب مع الجارة المسلمة أنهم يتعاملون معها في شكل منفرد. يتعاطفون مع دول عربية تواجه أزمة مع إيران، ويبقى الموقف عند هذا الحد. ولهذا استطاعت طهران على مدى العقود الأربعة الماضية أن تتدخل في شؤون الدول العربية من دون أن تخشى موقفاً عربياً مشتركاً. أيدت اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ووضعت اسم القاتل على أحد شوارع طهران، وقطعت مصر علاقاتها مع إيران، وبقيت علاقات هذه الأخيرة مع بقية العرب، فتمادت تالياً، وتدخلت في لبنان والبحرين والعراق وسورية وأخيراً اليمن. وعلى رغم ذلك تمسك العرب ببيانات الإدانة، وبقية العلاقات الثنائية سمناً على عسل.
هذا النهج مارسه من قبل مجلس التعاون، استمر على مدى عقود يضمّن بياناته رفض الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، ولكن، من دون موقف جماعي يشكل ضغطاً على طهران، وهو ما جعل إيران ترفض التفاوض مع المجلس في قضية الجزر، ليس بسبب رفضها مجلس التعاون، الذي تعتبره تجمُّعاً إقليمياً موجَّهاً ضدها، بل لأنها تسمع بيانات جماعية لا تترجم على صعيد العلاقات الثنائية معها، ولهذا أصبحت تتعامل مع دول المجلس في شكل منفرد. هذه السياسة ساهمت في إضعاف دور مجلس التعاون وغياب تأثيره في توحيد مواقف دوله تجاه السياسة الإيرانية. المطلوب عدم تكرار خطأ دول مجلس التعاون، من خلال وقف هذه الازدواجية في التعامل مع السياسة الإيرانية. لا بد من توحيد الموقف الجماعي، الذي يدّعي الغضب، بالآخر المنفرد الذي يتصرف في معزل عن التجاوزات الإيرانية، وتسخير العلاقات الثنائية مع طهران لدعم الموقف الجماعي، والسعي إلى وقف أي تحرُّك يكرّس عدم مبالاة إيران بموقف عربي صارم.
الأكيد أن تبني الدول العربية موقفاً جماعياً تجاه طهران، بدءاً من تعليق العلاقات الديبلوماسية ووقف التبادل التجاري ورحلات الطيران، سيجعل إيران تعاود النظر في سياساتها تجاه الدول العربية. ومن دون هذا الموقف فإن إيران ستستمر في استخدام الورقة الطائفية، وفرض وصاية على الشيعة العرب، وإشغال المنطقة بحروب مذهبية.