المشهد عند بوابات مبنى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة خلدا غربي عمان، يذكرنا من جديد بالتبعات المترتبة على سياسة الحدود المفتوحة. المئات من اللاجئين السودانيين يتجمهرون يوميا للمطالبة بالاعتراف بحقوقهم كلاجئين في الأردن.
لم تقدم السلطات الرسمية تفسيرا مقنعا لوجود هؤلاء على أراضي المملكة، والكيفية التي دخلوا بها البلاد. لكن أيا تكن الملابسات، فقد بتنا أمام إشكالية لجوء جديدة، هويتها سودانية هذه المرة.
صورة الأردن التي ترتسم في أذهان المراقبين من الخارج ووسائل الإعلام الأجنبية حاليا، تتلخص في كونه البلد الذي يؤوي أكثر من مليون لاجئ سوري. ومن جهتنا، أصبح مثل هذا الوصف يروق للمسؤولين. وفي الآونة الأخيرة، صار “الزعتري” معلما لا بد أن يزوره أي ضيف أجنبي يأتي إلى الأردن، مثله مثل البترا والبحر الميت.
وفيما الحكومة ومؤسسات الدولة العسكرية والأمنية تكافح للتعامل مع تحديات اللجوء، لا تتوقف الجهات الأممية عن ممارسة الضغوط على الحكومة للسماح لآلاف السوريين العالقين حاليا قرب الحدود الشمالية بدخول البلاد. الأمم المتحدة تفيد بأن عددهم لا يقل عن 12 ألف لاجئ، والحكومة تؤكد أنهم أقل من ذلك بكثير.
خلال العام الحالي، انتهج الأردن سياسة جديدة تقوم على تقنين دخول اللاجئين إلى أراضيه؛ إذ لم يتعد العدد حاجز المئة يوميا. وفي الأثناء، منحت الراغبين في العودة إلى بلادهم تسهيلات إضافية. وقد غادر البلاد بالفعل ما يزيد على مئة ألف لاجئ سوري.
وفي الوقت الحالي، يمكن القول إن الاعتبارات الأمنية أصبحت العامل الحاسم في تعامل مؤسسات الدولة مع ملف اللجوء. دخول الجماعات الإرهابية، خاصة تنظيم “داعش”، على خط اللاجئين، زاد مخاوف الجهات الأمنية؛ فقد أظهرت التحقيقات أن غالبية المتورطين في الهجمات الإرهابية في فرنسا وغيرها من البلدان، تسللوا بين اللاجئين.
ويبدو من القرارات الأخيرة بفرض تأشيرات دخول على الليبيين واليمنيين، أن الاعتبارات الأمنية تتقدم على سواها؛ فمع أن حملة الجنسيتين المذكورتين يشكلون النسبة الأكبر بين القادمين للمملكة لغايات السياحة العلاجية، إلا أن ذلك لم يؤخذ في الحسبان، بعدما أصبحت ليبيا واليمن مرتعا للإرهابيين، ومقصدا للمتطرفين من كل أنحاء العالم.
كان واضحا منذ البداية أن الأردن لن يصمد على سياسة الحدود المفتوحة، مع تنامي خطر الجماعات الإرهابية، وتوسع دائرة الصراع في أرجاء العالم العربي. وسيضطر، من الآن فصاعدا، إلى التخلي تدريجيا عن لهجته الدبلوماسية في الرد على انتقادات المنظمات الأممية.
أوروبا التي دشنت عهدا جديدا لسياسة الحدود المفتوحة، تكاد تتخلى عنها في ظل ما تواجهه من تهديدات إرهابية، ومصاعب في التكيف والاستيعاب.
الأردن ليس بلدا أوروبيا، بل دولة تقع في قلب الطاحونة. وقد حاول لأكثر من أربع سنوات التوفيق بين الاعتبارات الإنسانية والأمنية، لكنه وصل النقطة الحرجة التي ينبغي عليه أن يختار عندها؛ حدود مفتوحة أم أمنه الداخلي؟
وبعد أن استقبل أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، بات لزاما عليه أن يختار، ويعدل قليلا من صورته؛ ليس مجرد بلد يؤوي اللاجئين، وإنما قبل ذلك دولة تضم شعبا لا “الزعتري” فقط.