مروان المعشر/خطوة باتجاه الإصلاح السياسي الحقيقي

mrwan-m3sher6

بعد أكثر من أسبوع على إعلان الحكومة مسودة قانون الانتخاب الجديد، ما تزال الدهشة تعتري أكثر المراقبين من كيفية إقرار قانون يعطي فرصة حقيقية للتأسيس -والتأسيس يعني بداية فقط- لحياة نيابية فاعلة، بمجلس نيابي قوي، وإن بالتدرج. صحيح أن مشروع القانون لم يتضمن قوائم حزبية وطنية، لكنه خطوة متقدمة عن قانون 1989 الذي كانت تطالب العديد من القوى الإصلاحية بالعودة إليه. ويرجع سبب ذلك إلى أنه مع حق الناخب هذه المرة أن ينتخب عددا من المرشحين مساويا لعدد المقاعد في دائرته التي هي على مستوى المحافظة في أغلب الأحيان -وهو ما كانت عليه الحال في قانون 1989، وبما يضمن توسيع الدائرة الانتخابية وقاعدة المرشح الناجح- فإن المشروع الحالي يحتم على الناخب اختيار قائمة واحدة أولا، ثم بعد ذلك اختيار المرشحين جميعا من نفس القائمة، بما يشجع على انتخاب أشخاص ذوي رؤية متقاربة وبرنامج واحد، وينتج تمثيلا نسبيا عادلا لكل كتلة لا يتعدى ثقلها في الشارع.
الدهشة من القانون الجديد سببها الأول انخفاض مستوى التوقعات الأولية، خاصة وأن التسريبات بشأنه كانت كلها تشير إلى أن القانون المقترح سيبتعد شكلا فقط عن “الصوت الواحد”. أما وقد تمت مغادرة “الصوت الواحد” فعلاً، فإن الدهشة الحقيقية هنا هي بشأن كيف تم إخراج مثل هذا القانون.
هناك عدة نظريات يتم تداولها. الأولى، أن الحكومة، ممثلة برئيسها ووزير الشؤون السياسية، تمكنا من إقناع القوى المتنفذة في الدولة بأن القانون الحالي أفرز مجلس نواب صار عبئا على الدولة نفسها، ما يستدعي مقاربة جديدة محسوبة النتائج، تؤدي الى مجلس نيابي أقوى، لكن من دون تمكن أي مجموعة، وبخاصة الإخوان المسلمين، من تحقيق غالبية أو حتى الاقتراب من ذلك. استبعد هذه النظرية، استنادا إلى المقاومة الشرسة المتواصلة لهذه القوى ضد أي قانون يبتعد عن “الصوت الواحد”، حتى مع هكذا ضمانات.
أما النظرية الثانية، فمفادها أن الحكومة لم تستطع إقناع القوى المتنفذة داخل الدولة بالتقدم الفعلي نحو الإصلاح السياسي، فلم تجد لها منفذا غير تقديم رؤيتها وتسجيل موقفها، وليكن ما يكون. وهذا أمر مستبعد أيضا، لأنه يخالف الطريقة الحذرة التي يعمل بها الرئيس.
هناك نظرية ثالثة أميل إليها؛ ليس من باب المعلومات وإنما من خبرتي داخل الدولة وشخوصها، وهي أن جلالة الملك بات مقتنعا بضرورة انطلاقة حقيقية لمشروع الإصلاح السياسي للدولة، وأنه بدوره طلب من الجهات والقوى والأشخاص الانضواء وراء تأييد مشروع القانون الذي خرجت به حكومته. وإن كانت هذه النظرية صحيحة، فستكون من المفارقات الملفتة للنظر مراقبة كيف سيدافع عن القانون الجديد شخوص نافذة داخل الدولة، أتخمونا بحجج غير مقنعة عن فوائد “الصوت الواحد” (المجزوء طبعا).
من منطلق ان القانون الجديد لا يحقق جميع شروط تطوير مجلس نيابي حزبي قوي، لكنه يؤسس لها، فإن على القوى المطالبة بالإصلاح دعم هذا القانون، والمطالبة بالمزيد في الدورات الانتخابية القادمة. ويخطئ الإخوان المسلمون إن قرروا أن القانون قاصر، وبالتالي قاطعوا الانتخابات؛ فهم خاضوا انتخابات العام 1989 وفق قانون أقل تقدما من القانون الحالي المقترح. وتخطئ الأحزاب إن اتخذت هي الأخرى موقفا سلبيا من القانون. فطالما يضعنا القانون الجديد على سكة تؤدي في النهاية إلى مجلس نيابي يعتمد العمل الحزبي الجماعي، ويضمن تمثيلا عادلا وكفؤا، فلا بأس إن تم الوصول إلى ذلك بالتدرج.
المشكلة في قوانين “الصوت الواحد” أنها ما كانت لتؤدي إلى تطوير نظام من الفصل والتوازن ولو بعد مائة عام. اليوم، نخطو خطوة حقيقية نحو الإصلاح، وهي خطوة جديرة بالدعم رغم نواقصها. وطبعا، دور الحكومة لم ينته، إذ عليها تسويق هذا المنتج الجيد لمجلس النواب، كما عليها الخروج بنظام معقول لتقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد. وتحية لجلالة الملك.

شاهد أيضاً

“إسرائيل ” تقود التطهير العرقي والإرهاب الدموي بحق الشعب الفلسطيني بمختلف الوسائل* عمران الخطيب

عروبة الإخباري – صورة من المشهد الفلسطيني رغم حجم الكارثه الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيين بقطاع …

اترك تعليقاً