لقد هزّ جسد “آلان الكردي”، الذي حملته أمواج البحر وتركته جثة هامدة على سواحل تركيا ضمائرنا جميعًا، وحلّ لأول مرة عقدة من لسان أوروبا ودفعها للتحدث عن وجود “مشكلة لاجئين” ينبغي إيجاد حلول لها.. لكن “بعد خراب البصرة”.
الدول الغربية.. ودموع التماسيح
ما الفائدة إذا ما ذرف أوباما وميركل وكاميرون الدموع، بعدما تشرد الملايين من البشر وباتوا بلا وطن.. إن الدول الغربية التي تقف نفسها اليوم لتقول “إن صورة الطفل قد آلمتنا”، هي من وقفت ولا تزال موقف المتفرج من أزمات سوريا، والعراق، واليمن، ومصر، وليبيا، وفلسطين، وتغض الطرف عن موت مئات الآلاف من البشر، وتجعل منهم قرابين لمصالحها. لماذا لم يشعروا بالألم عندما قتل عشرات الأطفال في غوطة دمشق بالأسلحة الكيماوية؟ لماذا لم يشعروا بالألم عندما ارتطمت أجساد مئات المهاجرين بالشواطئ الليبية بعدما غرقت مراكبهم في البحر المتوسط؟ لم يعد هنالك بعد اليوم أي معنى لاستجداء الغرب أو انتظار ما سيقوم به، لأنه خسر في امتحان الإنسانية.
ألا تتحمل الدول الإسلامية أي مسؤولية؟
وفي هذا السياق، هل تقوم الدول الإسلامية بانتقاد ذاتها؟ ألسنا نحن، أي الدول الإسلامية، مسؤولين أيضًا عن جثة الطفل “آلان”؟، أليس حريًا بنا أن نغضب من أنفسنا مثلما نغضب من العالم الغربي؟، ألا يجب أن نكون بصدد الحديث عن أخطائنا؟
لسنوات، ونحن نتحدث عن الظلم الذي يقترفه العالم الغربي بحق العالم الإسلامي، لكن.. لماذا لا نتحدث عن الاضطهاد والقهر والظلم الذي نقترفه بحق بعضنا بعضًا؟
هناك الملايين من اللاجئين في الشرق الأوسط، كلهم مسلمون، وينتمون لبلدان مسلمة.. إن من جعل هؤلاء الناس يفقدون منازلهم وأوطانهم ليصبحوا لاجئين، هي سياسات البلدان المسلمة الأخرى، إن تلك البلدان تتحمل مسؤولية ما حل بالمسلمين وما آلت إليه أوضاعهم.
دعونا نتحدث بصدق، ونناقش مشاكلنا ونحللها، فالشرق الأوسط لا يشهد حربًا بين المسلمين والمسيحيين، كما أن الحرب لا تدور بين دولة مسلمة وأخرى غربية.. الحرب تدور بين أطرافٍ جميعها مسلمة، حنجرة المقتول والقاتل تصدح باسم “الله”، وإسرائيل والغرب يتابعان هذا المشهد بسرور كبير.
جميع اللاجئين من المسلمين ويريدون الذهاب إلى الدول الأوروبية
ملايين اللاجئين رحلوا عن أرضنا، جميعهم إخواننا وأخواتنا في الدين. أيًا منهم لا يريد العيش في ديارنا، آلاف منهم يكابدون مصاعب جمّة خلال رحلة الذهاب إلى بلد أوروبي. وفي هذه الرحلة توفي “آلان الكردي” وأسرته.. في رحلة الطريق إلى أوروبا. دعونا نتأمل كيف أصبحت أوروبا هي المكان الأمثل لعيش اللاجئين من ديارنا.. أوروبا التي طالما استغلت ثرواتنا، وقامت بإفقارنا، وأدخلت بيننا الفتن، وشجعتنا على أن نتقاتل مع بعضنا البعض. لم تعد البلدان الإسلامية تشكل حيزًا آمنًا بالنسبة لهم، كما أنهم لا يرون فيها مستقبلهم. هذا الوضع يتطلب منا أن نفكر مليًا في منقلبنا، وفيما آلت إليه أحوالنا.
هناك عالم إسلامي غير قادر على حل مشاكله، هناك عالم إسلامي يقوم بنفي شعبه، هناك عالم إسلامي يلد لاجئين، هناك عالم إسلامي غير قادر على وضع حد لحروبه وصراعاته.
سنحاسب جميعًا على “آلان الكردي”
سنحاسب على ما آل بهؤلاء البشر من بؤس بطريقة مؤلمة جدًا، لن يكون الحساب مقتصرًا على السياسيين فحسب، بل يشمل جميع المسلمين، فالبلدان الإسلامية تتحمل مسؤلية وفاة “آلان الكردي”، بنفس القدر الذي تتحمله البلدان الغربية، بل ربما أكثر، إن ذلك الطفل قد رحل إلى عالم الملائكة، ليتركنا خلفه نكابد حياة العار.
كمال ازتورك/مسؤولية العالم الإسلامي حيال مشكلة اللاجئين
13
المقالة السابقة