سمير حجاوي/العراق.. تسونامي ينذر بالأسوأ

دفعت الثورات العربية العراق المضطرب والدامي بعيدا عن المشهد الإعلامي، رغم استمراره بؤرة ساخنة للأحداث الكبيرة، ولم تعد أخبار القتل والتفجيرات تحظى بالعناوين الأولى في نشرات الأخبار، وتراجع الاهتمام بالحدث العراقي إلى درجة التجاهل الكامل في بعض الأحيان.

الآن وفي الذكرى العاشرة لسقوط بغداد، أعاد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فتح الملف على مصراعيه في مؤتمر كبير عقده في الدوحة، استضاف فيه عددا من شهود العيان من وزراء وقادة عسكريين ومفكرين وأكاديميين في محاولة للتفكير “بعقل بارد” وتحليل مجريات الأحداث خلال عقد من الزمان على الغزو الأمريكي واحتلال بغداد.

ربما كان أفضل تلخيص للوضع في العراق هو الحديث عن أربع ظواهر صاحبت الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي تكريس المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية واستشراء ظاهرة الإرهاب والعنف وتفشي الفساد المالي والإداري والنهب المنظم للمال العام وفتح الأبواب أمام التدخل الخارجي، خاصة الإقليمي، والانتقال من الحديث عن “شعب عراقي واحد” إلى “مكونات” الشعب العراقي بوصفه مجموعة من الطوائف والعرقيات والهويات الفرعية غير المنضوية في إطار من الهوية العراقية الشاملة وذلك من أجل تفتيت المجتمع العراقي وخلق تصدعات غير قابلة للرأب، بهدف تدمير البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية وتحويل الدولة العراقية إلى أنقاض لإنهائها ككيان سياسي واجتماعي.

هذه المنهجية الأمريكية – البريطانية المنظمة كانت تهدف إلى تغيير الدولة كليا وليس إسقاط النظام فقط، وإعادة صياغة المجتمع العراقي كليا على قاعدة “الفك والتركيب من خلال نظرية التدمير المبدع الخلاق” المستمد من نظرية أشمل هي “الفوضى الخلاقة” الشهيرة.

الآن وبعد 10 سنوات لا يزال العراق غارقا في الدم والقتل والتفجيرات والفساد، وتحول إلى دولة فاشلة بامتياز، تسود فيه المحاصصة الطائفية والمذهبية ويعيش “أزمة مستعصية” على الحل، وتحول إلى أرض مستباحة للقوى الإقليمية والدولية، ولقمة سائغة في فم إيران التي تتموضع في كل مفاصل عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي المباشر، في الوقت الذي تحاول فيه تركيا أن تجد لها في العراق موطئ قدم لمواجهة النفوذ الإيراني، أما العرب فهم الغائب الأكبر عن المشهد العراقي حتى الآن.

في المحصلة يمكن القول إن احتلال العراق وتدميره وإعادته إلى عصر ما قبل الصناعة شكل أكبر خسارة إستراتيجية للعرب في القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، لأن المستفيد الأول من الاحتلال الأمريكي الغربي للعراق هما إسرائيل وإيران، فإسرائيل تخلصت من عدو كانت ترى فيه تهديدا حقيقيا، أما إيران فقد فشلت بهزيمة العراق خلال 8 سنوات من الحرب، وتجرع مرشدها آية الله خميني “كأس السم” لوقف الحرب مع العراق كما قال هو نفسه، لكنها استطاعت أن تعوض خسارتها الكبيرة من خلال الغزو الأمريكي الذي دمر العراق وسلمه لطهران لقمة سائغة، بعد أن مني الأمريكيون بهزيمة مذلة هناك وخرجوا دون أن يحققوا أي هدف باستثناء تدمير العراق بشكل كامل.

يطول الحديث عن العراق وعن الأبعاد الإستراتيجية والحضارية والدينية للغزو الأمريكي البريطاني لبلاد الرافدين، وعن أسباب الغزو وعن الأكاذيب الكبرى التي صاحبت الاحتلال وعن الحصار الذي تعرض له العراق على مدى 13 عاما والذي يعد الأشمل والأقسى، والتدمير الممنهج لكل مؤسساته العلمية واغتيال العقول العراقية ووضع العراق تحت وصاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتحديد حدوده رغما عنه ونزع سلاحه وإجباره على دفع تعويضات كبيرة.

ما جرى ويجري في العراق مأساة كبيرة خلفت مليونا ونصف مليون قتيل على الأقل وتركت ما يقرب من 3 ملايين أرملة و5 ملايين يتيم وحولته إلى بلد متخلف علميا تصل فيه نسبة الأمية إلى 30 في المائة على الأقل، يعاني من نقص الخدمات الصحية والبنية التحتية، وهي أضرار كبيرة أثرت على جيل بأكمله، اعتبرها الأمريكيون والبريطانيون مجرد “أضرار جانبية” على وقع نظرية “الصدمة والرعب” لدونالد رامسفليد، وزير دفاع جورج بوش، وهي النظرية التي مهد لها رئيس المفتشين هانز بليكس ومحمد البرادعي، الذين عمل معهم جيش من الكذابين وأجهزة الإعلام المضللة.

العراق يعيش اليوم أسوأ أيامه على الإطلاق، وهناك من يحذر من أن القادم أسوأ، أو كما وصفه أحد المفكرين بقوله إن العراق اليوم هو عبارة عن “تسونامي” ستثور أمواجه وتضرب مجددا داخل العراق وخارجه.

كثيرة هي المحاور التي تناولها مؤتمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات “عشر سنوات على احتلال العراق” على مدى يومين، وكل محور منها يحتاج إلى معالجة خاصة لأن تداعيات ما يجري في العراق مستمرة، وهي تداعيات مرتبطة بما يجري في سوريا وبلاد الشام وفي منطقة الخليج العربي بشكل خاص.

شاهد أيضاً

ملاحظات على هامش هجوم إيران الأخير* د. سنية الحسيني

عروبة الإخباري – تمر منطقة الشرق الأوسط بتفاعلات سياسية خطيرة، تجسدت بحالة من الصراع الدموي …

اترك تعليقاً