على خلفية التوتر الحاصل بين مصر وحركة حماس واتهام القاهرة للحركة بالتدخل في الشأن الداخلي المصري بدعمها جماعة الرئيس المعزول محمد مرسي، وأن لها ضلعًا في الهجمات التي تستهدف عناصر الجيش والشرطة المصريين، كان لافتًا ذلك الاستعراض العسكري الذي أقامته الحركة في قطاع غزة وحمل شعارات رأت فيها مصر رسميًّا وشعبيًّا استفزازًا ينطوي على مضمون ليس أقل من التلويح بمواصلة التدخل في الشأن المصري ودعم جماعة الإخوان التي تعد حماس امتدادًا لها ضد عناصر الجيش والشرطة لا سيما في سيناء.
إلا أن اللافت الأبرز الذي كان في ذلك الاستعراض العسكري لحماس هو عرضها لأسلحة متطورة يأتي في مقدمتها الصواريخ المضادة للطائرات، ما يعني أن الحركة أصبحت تمتلك ترسانة متنوعة من الأسلحة، ولا بد أن عدوها الأول كيان الاحتلال الصهيوني قد رصد ذلك الاستعراض بأسلحته المختلفة وقد أخذ علمًا أن طائراته الحربية لن تكون في مأمن إذا ما حاول شن عدوان جديد على قطاع غزة.
من الواضح أن حركة حماس قد استفادت كثيرًا من فوضى كذبة “الربيع العربي” في ليبيا تحديدًا، والتغيير السياسي في مصر بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الرئاسة من حيث حصولها على الأسلحة، فليبيا باتت المصدِّر الأول للسلاح والإرهابيين بدون منافس، لكن الحركة وللأسف أيضًا أرادت أن تختبر قدراتها العسكرية التي اكتسبتها ضد الدولة السورية التي ضحَّت من أجل المهجرين الفلسطينيين وفصائل المقاومة وفي طليعتها حركة حماس، والتي (أي سوريا) قاومت الإغراءات وداست على الترهيب الصهيو ـ غربي، قابضةً على جراحها لئلا تتنكر أو تتخلى عن أشقائها الفلسطينيين ونصرتهم، وكذلك أرادت أن تمارس مهارة الرمي ضد من علمها ألا وهو حزب الله.
وأيًّا كانت الأسباب التي دفعت حركة حماس إلى التمرد على من وقف معها وأمدها بالسلاح ودربها وشد عودها، سواء كانت مجبرة أو مختارة أو تحت إغراءات المال العربي “العميل” أو سوء التقدير في الحسابات السياسية ربحًا وخسارةً، فإن الحركة قد وقعت في الفخ المنصوب لها، وهو ما يعبر عن ضعف قراءة لخريطة الأحداث وواقعية التحالفات واستمرارها في صورة متوالية من المكاسب السياسية والميدانية.
وفي تقديري أن من سوء طالع حركة حماس أنها لم تضع لنفسها خط رجعة، أو سلة احتمالات لمتغيرات قابلة الحدوث، وأن في السياسة لا شيء ثابت ما دامت تعني فن الممكن، فاتخذت من التقليد طبعًا في مقابل تغييب العقل والفكر والتفكر، فصعدت إلى أعلى الشجرة كما صعد من قلدتهم ممن اعتقدت أنهم خشبة خلاصها ووسيلة تحقيق أحلامها، وها هي الحركة لا تبحث عن من يمد إليها السلم لينزلها من أعلى الشجرة فحسب، وإنما تبحث كل ما يمكن أن يعيد المياه إلى مجاريها الطبيعية التي كانت مع من ضحوا بمستقبل شعوبهم وحياتهم ومواردهم من أجلها.
اليوم لا يمكن القفز على ما يواجه الحركة من تحديات جمة نتيجة اتهام سوريا لها بالتدخل في الأزمة السورية لصالح الطرف الأصيل في الأزمة وهو كيان الاحتلال الصهيوني، وقبولها أن تكون طرفًا في تفكيك وتخريب دول المنطقة الذي وصل سوريا المحطة التالية بعد العراق وليبيا، هذه التحديات بدأت تكبر ككرة الثلج لا سيما بعد التطورات والإنجازات اللافتة السياسية والميدانية للدولة السورية وحلفائها، وتبدل المواقف السياسية الأميركية والغربية، وكذلك التغيرات السياسية التي حدثت في مصر وزوال جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي، ولعل من بين هذه التحديات:
أولًا: إن حركة حماس زادت من عزلتها، وأسهمت في تضييق الخناق والحصار ليس عليها فحسب، بل وعلى سكان قطاع غزة، وبالتالي أصبحت أدوارها ومواقفها عبئًا وسببًا في مفاقمة الأوضاع المعيشية لسكان القطاع. صحيح أن حكومة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي كانت سببًا مباشرًا في هدم الأنفاق التي تمثل رئة يتنفس منها معظم أهالي غزة، إلا أن احتدام المواجهة بين حماس والقاهرة على خلفية عزل الرئيس محمد مرسي، أزَّم الوضع، سواء من حيث إغلاق معبر رفح وفتحه لساعات، وغلقه لأيام، أو من حيث مواصلة هدم الأنفاق.
ثانيًا: وهذا التحدي لا يقل أهمية عن سابقه، إذ إن هناك أصبحت حالة عداء ومواجهة واضحة بين العدو الصهيوني والحركة من ناحية، وبين الحركة والقاهرة، فالعدو نجح عبر عدد من العملاء الذين اعتقدت حركة حماس أنهم أصدقاء ومخلصون وداعمون لها في الإيقاع بينها وبين الداعمين الحقيقيين والمخلصين لها والزج بها في الأزمة السورية، ولذلك يحاول كيان الاحتلال الصهيوني الاستفادة من هذا العداء وهذه العزلة في تحطيم قوة حماس، فإذا كان العدو الصهيوني يعمل جاهدًا على تدمير المقاومة اللبنانية وأسلحتها، ويشن العدوان تلو العدوان ضد سوريا بزعم منع وصول أسلحة إلى المقاومة اللبنانية، فكيف به يسمح بوصول أسلحة متطورة إلى حركة حماس، ولعل العملية العدوانية الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال الصهيوني لتدمير النفق الذي حفرته حماس باتجاه أرض العدو، واستشهاد أربعة من كتائب القسام التابع للحركة، ما هو إلا مجرد بروفة لعمليات عدوانية قادمة، أو ترويضها من أجل الاعتراف به وبالفتات أو بالأحرى بالمفاوضات العبثية التي تجريها حركة فتح ممثلة بالسلطة الفلسطينية. أما ما يتعلق بالمواجهة بين حماس والقاهرة، فالشعب المصري يريد من الحركة أن تغير سياستها وتعود إلى رشدها، والتخلي عن دعم الجماعات الإرهابية في سيناء، فاستمرار المواجهة لا يخدم الحركة، خاصة وأن مصر هي الدولة المحورية واللاعب المؤثر في كبح جماح العدو الصهيوني، وبالتالي فإن حماس والشعب الفلسطيني عامة بحاجة إلى مصر التي لا تحتاج في وضعها الراهن مزيدًا من المشاكل أو الاستفزازات، وإنما تحتاج من يقف إلى جانبها ويساعدها على الوصول إلى الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
ثالثًا: مصداقية حركة حماس أضحت اليوم على المحك، وبالتالي فهي بحاجة إلى إعادة صياغة من جديد لتعاملها وسياستها تجاه من تضرروا عبر خطوات عملية تؤكد صدق توجهها.
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com