عصام قضماني/صناعة المؤسسات المستقلة

ليس صحيحا أن المؤسسات المستقلة أنشئت في ظل تسارع التحول إلى اقتصاد السوق الذي يعزى الى فريق تبنى هذا النهج عبر حكومات متعاقبة , فأبرز هذه المؤسسات ولدت وترعرعت في ظل حكومات محافظة. 
فمثلا انشئت هيئة تنظيم الاتصالات في عام 1995، و أنشئت هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في عام 2001 وأنشئت هيئة التأمين في عام 1999 وغيرها العشرات من المؤسسات .
المفارقة أن عدد من الوزراء والمسؤولين ممن قرروا وساهموا في إنشاء هذه المؤسسات , خلال توليهم المسؤولية إنقلبوا عليها , وباتوا يطالبون بالغائها ليس لاعتبارات إقتصادية صحيحة بل باعتبارها من صنع وزراء تبنوا نهج إقتصاد السوق وتحرير الاقتصاد وهم من عرفوا بتيار الليبراليين ونسوا أن غالبيتها كانت من صنع أيديهم .
اليوم لم يعد مهما من أنشأ هذه المؤسسات فالمهم هو مراجعة جدوى وجودها وما قدمته من إضافة الى الاقتصاد ولجهة تسريع القرار الاقتصادي وصحته وكفاءته وأثره . 
حكومات متعاقبة تبنت توجه دمج وإلغاء مؤسسات مستقلة لا لزوم لها,في سياسة باتت عابرة للحكومات , لكنها لا تزال تميل الى تباطؤ,وقد خضعت لتأجيل الحسم فيه مرارا . 
يفترض بقرار انشاء هذه المؤسسات أن يكون مسبوقا بدراسة موضوعية تبين الحاجة والهدف والأثر المتوقع كما أن الغائها أو دمجها سيحتاج الى دراسة أكثر دقة , إذ ينطوي الإجراء على ثورة قانونية , وسيرتب أثارا اقتصادية متشعبة.
صحيح أن الهدف من إنشاء الهيئات والمؤسسات الحكومية المستقلة , كان تجاوز الروتين , ونقل المسؤولية من الادارة إلى الرقابة والتنظيم , لكنها بدلا من ذلك توسعت وتورط بعضها في الادارة حتى فاق عددها عدد الوزارات , وباتت تنازعها المسؤولية فأصبح لكل قطاع أكثر من رأس يديره ويتابع شؤونه. 
هناك هيئات ضرورية في جسد الدولة لكن بعضها عبء وباتت أجسادها عصية على الإستئصال وقد كَبُر حجمها من دون عمل , في حين كان ينبغي أن تصغر مع إنجازها مهماتها , فما كان تستدعيه عمليات التنظيم من حجم ونفقات أصبح ممكنا تقليصه على افتراض أن استكمال المهمة لا توجب استمرار الحجم على ما هو عليه , فأفاقت الحكومة على موازنات تناهز موازنة الدولة العامة , وبعجز يقارب عجز الموازنة العامة ..
اللافت هو أن مثل هذه الهيئات بدلا من أن تحل في محل الوزارات , تتنافس معها وغالبا ما تتضارب في وجهات النظر وفي الصلاحيات وفي القرارات , الأمر الذي يربك القرار , وبدلا من تنظيمه يوغل به الى مزيد من الفوضى.
المؤسسات المستقلة أصبحت واقعا , يقوم عليها جيش من الموظفين وتتمتع بموازنات فيها نفقات كبيرة وإيرادات متواضعة , ولها إمتدادات قانونية وتشريعية وترتبط بها مئات القرارات والمصالح , فهل دمجها أو إلغائها يتوقف على قرار مجرد من الفحص .
qadmaniisam@yahoo.com

شاهد أيضاً

أميركا والفلسطينيون وأزمة مستعصية (٢– ٢)* د. سنية الحسيني

عروبة الإخباري – رغم أنها تصنف الحليف من خارج حلف الناتو، إلا أن أي من …

اترك تعليقاً