الاكثر تطورا في المالية العامة خلال الشهور الثمانية الماضية هي مسألة المديونية التي باتت معدلاتها مقلقة ، ووصلت مستوياتها الى نسب قياسية تجاوزت الخطوط القانونية المحددة وفق قانون الدين العام التي حددته بسقف اعلى لا يتجاوز ل60 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي .
اليوم المديونية العامة تناهز ال17.913 مليار دينار ، منها 11.389 مليار دينار دين داخلي ، و5.133 مليار دينار دين خارجي ، لتشكل نسبة ديون الحكومة المركزية ما نسبته 74.7 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي حتى شهر اب الماضي ، كانت خدمة الدين الخارجي لوحده 299 مليون دينار و220 مليون دينار خدمة دين داخلي دفعت في الشهور الثمانية الماضية، ومن المرجح ان يصل حجم اجمالي خدمة الدين ما يزيد عن 660 مليون دينار على اقل تقدير .
هذه الارقام تدلل على مدى خطورة الوضع الاقتصادي اذا بقيت معدلات الدين على ما هي عليه دون معالجات حثيثة وتصدي رسمي لتلك الظاهرة السلبية ، والمقلق في الامر هو ان معدلات النمو مازالت دون المستوى المطلوب الذي يمكن الخزينة من زيادة دخلها بشكل يساعدها على الحد من عمليات الاقتراض سواء الداخلي ام الخارجي ، فحتى النصف الاول من العام الجاري لم يتجاوز النمو الاقتصادي المتحقق ال2.8 بالمائة ، وهو نمو لا يساعد على حل مشكلتي الفقر والبطالة ، ولا يساعد حتى في تلبية النفقات المتزايدة للخزينة.
استمرار النمو السلبي للمديونية يؤدي الى اضعاف عملية الاصلاح الاقتصادي ، وقد يتساءل البعض كيف للحكومة التي تواصل سياسة معالجة الاختلالات في معادلة الدعم الرسمي ان تغفل عن الشق الاخر في الاصلاح المالي وهي المديونية .
خطورة مشهد الدين العام ان نموه يمتص كل عمليات الاصلاح المالي الذي تقوم به الحكومة في الخزينة، ويكون هذا من خلال ان عمليات تخفيض قيم الدعم الرسمية في الخزينة تذهب الى خدمة فوائد الدين المتزايدة بدلا من ان تذهب لصالح مشاريع تنموية .
الغريب في المشهد الاقتصادي الرسمي ان هناك صمتا كاملا تجاه وضع المديونية ، فلا احد يتحدث عن هذا الامر ، بل العكس تماما ما يجري ، حيث ان هناك هلعاً حكومياً نحو الاقتراض ، وما يجري الان هو استغلال العلاقات السياسية الرسمية للمملكة مع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية في توفير مزيد من الاقتراض للحكومة ، وهذا ما يحصل الان مع البنك الدولي وصندوق النقد والولايات المتحدة التي ستكفل ادارتها سندات اليورو بوند بقيمة 1.25 مليار دولار ، وهو امر يعني دين جديد يضاف الى اعباء المديونية العامة .
صحيح ، هناك مثل شعبي « ما شنقوا مديون « ، لكن الامر بالنسبة للدول خطير لانه ياتي وقت من الاوقات تصل المديونية الى سقوف لا يمكن تجاوزها في علاقات الدول، وفي حالة استمرار النفقات بالنمو دون ضبط ، حينها ستواجه الدول مازقا تمويليا هائلا لا يمكن ان تخرج منه الا في حالات الخصخصة حيث يتم بيع الاصول لتوفير اموال جديدة لسداد الدائنين ، لكن كيف سيكون الحال اذا كانت الخصخصة استنفذت اغراضها كما هو الحال في الاردن منذ سنين ؟.
Salamah.darawi@gmail.com