أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أسلحة متطورة جديدة في خطابه السنوي أمام الجمعية الاتحادية الروسية، مطلع هذا الشهر، آذار/ مارس، واعتبر الخطاب تحديا بأسلحة استراتيجية لمخاطبة من يهمه الأمر داخليا وخارجيا، وبالأساس إلى الخارج والولايات المتحدة الأميركية تحديدا، أو ردا على السياسة العسكرية الأميركية الجديدة التي خرقت ما اتفق عليه وزادت من ميزانيتها العسكرية تأسيسا لمنظومة من العلاقات الجديدة، تنافسية، صراعية في محتواها ومضمونها. وفيها عودة إلى مرحلة سابقة من سباق التسلح أو مؤشر عليها، وقد تثير الكثير مما خلف التصريحات والخطابات والعلاقات السياسية والعسكرية.
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقيدة النووية الأميركية في كانون الثاني/ يناير الماضي، وانسحبت واشنطن من معاهدة الحد من التسلح النووي من طرف واحد، وهي المعاهدة التي استهلكت وقتا وجهدا كبيرين للوصول إليها في عام 1972، وجُددت عام 1978، عبر اتفاقيتي “سالت 1″ و”سالت 2″. ولكن واشنطن تجاوزت هاتين الاتفاقيتين في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حين نشرت مشروع الدرع الصاروخي بمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، واستُتبعته بعدة سياسات وإجراءات تصعيدية تركت بصماتها واضحة في العلاقات الروسية الأميركية في هذا المجال خصوصا. وكشفت وثائق تلك الأيام ما أشار إلى التأثيرات الكبيرة لسباق التسلح على التطورات التي حصلت في الاتحاد السوفييتي وما خططت له الإدارات الأميركية، وهو ما تواصله الآن بالمنهج نفسه، بل وربما بما يزيد عنه في محاولات حصار روسيا أو خنقها. ومن هنا يأتي خطاب بوتين أو أسبابه الدافعة له، لاسيما في ما يتعلق بالأسلحة النووية والتصريح عن ميزات جيل جديد من الصواريخ الباليستية المجنّحة، قادرة على إصابة أهداف محققة أينما كانت في الكرة الأرضية، منها الصاروخ سارمات المجنح ذو المحرك النووي بمدى يصل إلى 11 ألف كيلو متر، والقادر على تخطي أي درع صاروخية، بقدرته على المراوغة وسرعته الفائقة، وكذلك الغواصات بدون غواصين، التي تصل إلى أعماق غير مسبوقة بطوربيدات نووية يستحيل اكتشافها أو التصدي لها، وصواريخ أخرى تفوق 20 مرة سرعة الصوت، وتزويد الصواريخ كروز برؤوس نووية تكتيكية.
في مقال لالكسندر بويكو في كومسومولسكايا برافدا توضيحات عن الدرع الصاروخية التي نشرتها الولايات المتحدة ضد روسيا، ذاكرا أنها أكثر من 400 صاروخ تحيط بالمجال الحيوي لروسيا. وأضاف المقال وفقا لمصادره العسكرية والدبلوماسية، نشرت الولايات المتحدة هذه الصواريخ الموجهة في كاليفورنيا وألاسكا، و40 منظومة مضادة للصواريخ البعيدة المدى و 180من مضادات الصواريخ ستندارت-3 على سفن البحرية الأميركية في المحيطين الأطلسي والهادي، وتم نصب العشرات من عناصر الدفاع الصاروخي في قواعد أميركية في اليابان وأسبانيا ورومانيا وغيرها.
وكتب ايغور كورتشينكو، رئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني: إذا استخدم الناتو أي سلاح ضد روسيا فسيتم شن ضربة شاملة على جميع أنحاء الولايات المتحدة. وبعد ذلك سيفهم العالم أي درع مضاد للصواريخ أقوى. إن عناصر الدفاع الصاروخي المنتشرة في الفضاء ستمكن أعضاء الناتو من رؤية الثواني الأخيرة من الوجود الأميركي بجميع الألوان.
ووصف الخبراء الروس ما تسرب عن الصناعات الروسية بأنها تحقق للروس تفوقا علميا وتقنيا كبيرا. وهو ما أثبته الرئيس بوتين في خطابه المذكور. مما يعني أن التحدي الآن يتم بأسلحة استراتيجية وتطورات واسعة على أصعدة مختلفة.
لعل التنافس القائم في المنطقة العربية خصوصا بين الطرفين، الأميركي والروسي، مؤشر واضح لسباق التصريحات والتلميحات للقوات والقوة والقدرات والقدرة بينهما. والادعاء المستمر حول وجودهما لمحاربة الإرهاب وما أطلق عليه إعلاميا مختصرا “داعش” يفضح النوايا والأهداف. وهو ما يعلق عليه خبراء بخطر المواجهة المباشرة بين التحالفين الأميركى والروسي، وسعت الولايات المتحدة إلى وجود قوات حليفة لها على الأرض، عبر استخدام الورقة الكردية الهشة في سوريا، وقواعد عسكرية وتحالفات وتهديدات وعمليات عدوانية، لتحدد لنفسها منطقة نفوذ تشمل الأراضي السورية شرق الفرات، حيث أغنى حقول النفط والغاز وسلة سوريا الغذائية، لتكون ورقتها فى أية مفاوضات حول مستقبل سوريا. وكذا الحال مع الوضع في العراق، والإعلان عن بقاء قوات وبناء قواعد عسكرية وتبادل الأدوار وتوزيع القوات والقواعد والتحالفات. لكن التدخل التركي في شمال سوريا وأهدافه قد خلط أوراق التحالف الأميركي ووضعه أمام تبدلات أو تغيرات في المواقع والوقائع.
لهذا وضّح بوتين فى رسالته عن الأسلحة الروسية الجديدة، وقوله إن روسيا سترد بسرعة على أى ضربة لها أو لحلفائها، فى إشارة واضحة إلى حليفه الجيش السوري، الذي كان يجري الإعداد لتوجيه ضربة له بمشاركة بريطانية وربما فرنسية، وبذريعة استخدام السلاح الكيماوي، ليكون مبرر الضربة القوية الوشيكة على الجيش السوري، بما يعيد خلط الأوراق من جديد، ويمنح الولايات المتحدة وحلفاءها موطئ قدم جديد في سوريا والعراق رغم خطورة هذا السيناريو، الذي يهدد باتساع نطاق المواجهة ليشمل حلفاء الطرفين في المنطقة. لكن إعلان بوتين عن أسلحة روسيا الجديدة، وتحليق الطائرة سوخوي 57 فى أجواء سوريا يشكل أقوى درجات الردع لأي مغامرة عسكرية جديدة ضد سوريا، وحتى ضد إيران. وهو ما أخذ بالاعتبار أميركيا وناتويا وانهالت التصريحات عليه وحوله تبريرا وتفسيرا لمواجهة الخطاب وما تضمنه بما يعكس نوايا وأهداف التوسع الإمبريالي الغربي في المنطقة، واستثمار اتباعها وتخادمهم مع مشاريع لها ليست جديدة في كل الأحوال.
لا يقف القادة الروس متفرجين على ما يحصل حولهم، لاسيما نشاط الأميركيين في تعزيز تحالفاتهم الدولية على الصعيد العسكري والأمني، في محيط الاتحاد الروسي أو مجالاته الاستراتيجية، لذا أكد خطاب الرئيس الروسي حول نظرة موسكو الاستراتيجيّة إلى أمنها الدولي “إنّ أيّ استخدام للسلاح النووي ضدّ روسيا أو حلفائها، سواء أكان بقوّة صغيرة أو متوسطة أو أخرى، سنعتبره هجوما نوويا على بلادنا. والردّ سيكون فورا مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب”. وهذا كلام واضح على التزام روسيا بالدفاع عن حلفائها والتأكيد على أنّ الأمن الروسي ليس مرتبطا بالحدود الجغرافية للاتّحاد الروسي إنّما بالنفوذ الدولي الذي يشكّل حلفاء موسكو أبرز حلقاته، خاصة إيران وسوريا.
روسيا بوتين: التحدي بأسلحة استراتيجية/ كاظم الموسوي
16
المقالة السابقة