1- الحالة السورية
يمثل تسلسل الأحداث في سوريا، تجسيداً مأساوياً للحالة التاريخية المزمنة في المنطقة العربية ابلغ تمثيل. فالشعب السوري يموت بالمئات يوميا، والتدمير يقع في كل مكان، والتهجير بلغ الملايين، والفئات المتصارعة تجاوزت 82 مجموعة ،والدول المتدخلة مباشرة بالسلاح والجنود ثلاث دول هي روسيا وتركيا وإيران، والمليشيات المعلنة هي من العراق ولبنان و ايران، و المرتزقة من أكثر من 30 دولة، والتدخلات غير المعلنة من عشرات الدول والوكالات و المنظمات. و لكن الغائب الوحيد هي سوريا نفسها، سوريا الدولة وسوريا الشعب. ولذا تم الاتفاق بين إيران وتركيا وروسيا على وقف إطلاق النار. وهذا يعني إن غياب الدولة بشعبها ومؤسساتها وعلمائها ومفكريها و سياسييها وإدارتها، وعدم القدرة على التوافق، وارتباط كل فئة أو مجموعة بـ “معلم” خارجي يدفع الأموال ويصدر الأوامر، كل ذلك يفسح المجال لان تصبح البلاد ملعبا للآخرين، يتدخل فيها من يشاء وينسحب من يشاء. وما ينطبق على الدولة بأسرها ينسحب في كثير من الأحيان على القطاعات المختلفة.
وما نراه في سوريا نراه في ليبيا واليمن والسودان والعراق. حيث تسيطر على المشهد قوى التدخلات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة .ما هو السر في هذا الخلل المزمن في المنطقة العربية التي لم تستطع أن تحافظ على استقلالاتها السياسية و الاقتصادية و الفكرية و التكنولوجية ؟ الواضح إن الفشل في بناء مفهوم الدولة الوطن ،واستبدالها بمفهوم الحكم والسلطة ،وراء كل ذلك. وستبقى هذه المنطقة مرتعاً مفتوحاً للتدخلات الأجنبية حتى تنجح إدارات الدول في التحوّل، وحتى تنجح في الاقتناع و الاقناع أن الوطن والمواطن هما الغاية وهما الهدف، وليس مصالح الفئة الحاكمة وأعوانها.
2- الاستيطان والموقف الأمريكي
بعد قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أدان فيه الاستيطان الإسرائيلي، واعتبر جميع المستوطنات على الأراضي المحتلة هي غير شرعية، وبعد خطاب جون كيري والذي أكد فيه على أن سياسة الاستيطان ورفض التفاوض هو ضد امن إسرائيل، وان الحل الوحيد الذي يضمن بقاء إسرائيل ويحقق السلام والاستقرار في المنطقة ،هو حل الدولتين والمتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية وضمن حدود 1967 ،وبعد استنكار نتنياهو لقرار مجلس الأمن ،ولموقف الإدارة الأمريكية لعدم استعمالها الفيتو، واستنكاره لخطاب كيري، بعد كل هذا.. ما هو الموقف الأمريكي المتوقع بعد استلام دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية خلال أيام؟ وقد عين كبار مساعديه ووزير خارجيته ركس تيلرسون من المتحمسين لإسرائيل؟
هل سيكون ترامب مغمض العينين مستجيباً لأطماع نتنياهو في الاستمرار بالمستوطنات وتحويل فكرة الدولة الفلسطينية إلى سراب؟ لا أحد لديه الجواب القاطع . و لكن ،رغم عقلية تاجر العقار التي يمثلها ترامب، إلا أن المسألة تعتمد أيضا على ما يمكن أن يقدمه العرب والفلسطينيون..
3- الملفات الصعبة
انه لأمر جيد أن يكون هناك لدى وزارة التعليم العالي اهتمام بموضوع دراسة الشريعة. بمعنى الإهتمام بمن يلتحق بكلية الشريعة؟ وما هو مستواه العلمي؟. ولا خلاف على أن اجتذاب الطلبة المتفوقين والمتميزين لهذه الكلية الهامة ،هي خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكنها ربما بحاجة إلى خطوات أخرى. لان المشكلة هي ليس فقط في الاستيعاب الذكي اليقظ المبدع للمفاهيم الشرعية ولكن المشكلة تكمن أيضا في الاستيعاب الذكي المبدع للواقع الاجتماعي الاقتصادي الثقافي والواقع العلمي والتكنولوجي الذي سيتحرك فيه خريج كلية الشريعة. وهذا يستدعي أن تتضمن الخطة الدراسية للكلية مواد أخرى تساعد على فهم الواقع واستيعابه في جوانبه المختلفة التي اشرنا إليها. وقد بين “مهاتير محمد” رائد النهضة الماليزية في منتدى عقد مؤخرا في “كوالالمبور” ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى تناول الملفات الصعبة في حياة المجتمعات والشعوب النامية وهي: الفقر والبطالة والجهل. وقال “إن الانشغال بالايدولوجيا ومحاولة الهيمنة على المجتمع وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه لن يقود إلا لمزيد من الاحتقان والتنازع.. و أضاف “ نحن المسلمون صرفنا أوقاتاً وجهوداً كبيرة في مصارعة طواحين الهواء. فانقسم المسلمون إلى طوائف وفرق متصارعة متناحرة” وقال “إن حركة المجتمع لابد أن تكون جريئة وقوية ،وعلى الجميع أن يدرك أن الفتاوى وأراء النخب الدينية هي ليست الدين، فالتقديس للنص القرآني فقط.” وقال “إن الله لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم. و المسلمون يقتلون بعضهم بعضا بدم بارد، ثم يطلبون بعد ذلك من الله أن يرحمهم ويجعل السلام والاستقرار يسكن أرضهم. ذلك ضرب من الخيال. ولا بد من تجاوز آلام الماضي والانحياز إلى المستقبل”.فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فهل يستفيد العرب من التجربة و الحكمة الماليزية؟؟
4- أزمة الأطباء
تظاهر مئات من الأطباء العاطلين عن العمل أمام دار رئاسة الوزراء قبل أيام. ويقدر عدد الأطباء العاطلين عن العمل 1300 طبيب. وفي الوقت الذي يشكو هؤلاء من البطالة ، فإن النقص في الأطباء الأخصائيين في المستشفيات ملفت للنظر، خاصة إذا خرجنا إلى المحافظات والأرياف والبوادي. هل من الصعب حل هذه المشكلة التي مضى عليها سنوات.؟ و التي من المنتظر أن تتفاقم مع قدوم خريجين جدد من الأطباء العامين حيث يتخرج سنويا ما يزيد عن 1200 طبيب من الجامعات الأردنية فقط؟ أليس من الحكمة إتاحة الفرصة لهؤلاء الأطباء أن يدرسوا الاختصاصات المطلوبة وفق ترتيب معين مع وزارة الصحة أو وزارة التعليم العالي؟ بحيث يسددوا جزءا من تكاليف دراسة التخصص بعد انخراطهم في العمل؟ أليس من الممكن لوزارة التعليم العالي ووزارة الصحة أن تبحثا لهم عن بعثات للتخصص وفق شروط عادلة، وفي مقدمتها الخدمة في المحافظات والأرياف والقرى لمدة 5 سنوات؟ إما أن يتركوا هكذا، فهو إمعان في إهدار إمكانات قابلة للاستثمار، وإمعان في السير على سكة الفرص الضائعة، و تعميقا للإحباط والمظلومية التي توصل إلى التطرف و هو أمر لا نريده أبدا في وطننا العزيز.