احتلت محافظة الحسكة، شمال شرقي سورية، صدارة الأخبار الميدانية خلال الأيام الماضية، بعد اندلاع الاشتباكات الطاحنة بين عناصر الجيش السوري والقوى الرديفة له، وعناصر وحدات حماية الشعب الكردية و «الأسايش»، وهو الجناح العسكري المسلح لـ «حزب العمال الكردستاني»، وأدت المعارك إلى سقوط عشرات المدنيين والعسكريين من الطرفين.
جاء الصدام الأخير بين الأكراد والجيش السوري في مدينة الحسكة كتحصيل حاصل لجميع التطورات الساخنة الأخيرة وتفاعلاتها في الأزمة السورية، بخاصة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لموسكو، بعد معارك مدينة منبج شمال مدينة حلب، وقيام القوات الكردية بطرد تنظيم «داعش» منها، وما قيل عن وجود تفاهمات روسية تركية في شأن الأكراد، وبعد رسائل الغزل التي ارسلتها واشنطن الى العديد من الأطراف الكردية، في شكلٍ مباشر وغير مباشر، والتي تخوفت من تفاهمات بوتين وأردوغان بعد زيارة الأخير موسكو، وتسريب المعلومات التي تتحدث عن توافق روسي – تركي في شأن الأكراد، وبالأحرى المقايضة الروسية مع تركيا في شأن الأكراد مقابل تفاهمات معينة في شأن الأزمة السورية، فقد أبلغت موسكو أردوغان وهو يتابع ما يجري في الحسكة «أن ما من جهة أكثر حرصاً على منع الإنفصال الكردي (في تركيا وسورية) ونيرانه الإقليمية الحتمية، أكثر من شرعية الحكم في دمشق».
وبالطبع، إن واشنطن، ورغم التنسيق العالي مع موسكو في شأن تفاصيل الوضع السوري، والحديث عن التوصل لتفاهمات ومقاربات مشتركة روسية – أميركية في شأن سورية تم التوصل اليها مؤخراً، لا تتوافق مع موسكو ولا حتى مع أنقرة في شأن موضوع الأكراد، وقد أرادت أن تقول لأردوغان إن بوتين أعجز من أن يمنح تركيا ضمانات في الموضوع الكردي.
هنا، لا يخفى أن بعض الأطراف الكردية تحاول العبور من بوابات ما يجري للسعي الى تشكيل كيان كردي مُستقل داخل الأراضي السورية ضمن نظام الفيديرالية، كما تُشير مصادر كردية نافذة، ليبرز من جديد الردّ السوري من جانب النظام، عبر شنّ غارات على مواقع كردية في الحسكة. وليبرز في الوقت نفسه الرد التركي أيضاً الذي تُقلقه على الدوام المسألة الكردية في تركيا وهاجس مشاريع الإنفصال.
في هذا السياق، يلاحظ غياب الإجماع أو حتى التوافق بين الأطراف الكردية المختلفة في شأن ما يجري في الشمال السوري من حلب الى الحسكة، فالمجلس الوطني الكردي طالب بوقف فوري لجميع عمليات الإقتتال ليظهر حقيقة الخلاف الكردي – الكردي السياسي، وفي ما يتعلق بالحسكة في شكل خاص. حيث اعتبر المجلس أن معركة الحسكة دخلت الى قلب الصراع الدولي بقوة، وبدّدت الهدنة التي حكمت العلاقة بين دمشق والمجموعات الكردية في أقصى الشمال الشرقي لسورية، المحاذي لمناطق «حزب العمال الكردستاني» في جنوب شرقي تركيا، ولمعاقلهم في جبال قنديل العراقية المتصلة بالأراضي الإيرانية.
خلاصة القول، مع اشتعال الشمال السوري من حلب الى الحسكة الى المثلث الحدودي العراقي – السوري – التركي، يعود الموضوع الكردي الى صدارة الأحداث في سياقات الأزمة السورية الطاحنة، وتعود معه عملية استخدام الملف الكردي من قبل مُختلف الأطراف الإقليمية والدولية، كما كان حال القضية الكردية خلال العقود التي تلت الحرب الكونية الثانية، ليبقى الأكراد في نهاية المطاف الخاسر الأكبر الذي «يخرج من المولد بلا حمص» على حد المثل السائد في بلاد الشام، فواشنطن وغيرها من الأطراف لا تنطلق في مواقفها من المظلومية الكردية التاريخية.
وعليه فإن القيادات الكردية على المحك لتحديد تكتيكاتها وسياساتها للحفاظ على مصالح الأكراد في المنطقة، وحمايتهم من تداعيات ما يجري، وإبعادهم عن ملعب الاستخدام الأمر الذي قد لا يبقي ولا يذر…