برغم أنّ رئيس الوزراء د. هاني الملقي، يحاول أن يكون متفائلاً ونشيطاً في تعريف التحديات ومواجهتها، وبالذات المالية والاقتصادية منها، إلا أنّ أعضاء فريقه الوزاري، ووزير المالية تحديداً، يدركون حجم المشكلة المالية الكبيرة وصعوبة الخيارات المطروحة، حتى في التفاوض مع صندوق النقد الدولي وشروطه المرتبطة بالكهرباء والمياه بدرجة أساسية.
ما يمكن أن يتم الوصول إليه عبر التفاوض مع صندوق النقد الدولي، هو وقف نمو العجز في الموازنة. لكن هذا الإجراء أقرب إلى “المسكّنات”، مع إقرار “الصندوق” بصعوبة المعادلة المالية الأردنية؛ ما بين نسبة متضخّمة من النفقات الجارية ومحدودية الموارد، لذلك يجري التفكير بموضوع الكهرباء والمياه، وبضريبة الدخل تحت بند الفرضية التي تقول إنّ 98 % من الأردنيين لا يدفعون هذه الضريبة!
لن أجادل في الفرضيات السابقة. لكن من الواضح أنّ خياراتنا محدودة، فيما تتركز الأنظار في المرحلة المقبلة على صندوق الاستثمار الجديد، والاجتماع الأردني-السعودي المتوقع من أجل تحريك عجلة الاستثمار الراكدة، مع معدلات نمو منخفضة جداً، ما يساعد على إيجاد سيولة ووظائف جديدة للتخفيف والحدّ من معدل البطالة المرتفع، والذي يقارب 14 %، ويصل إلى 30 % لدى جيل الشباب، وبما يمثل -أي معدل البطالة- مصدراً حقيقياً وجوهرياً لتهديد الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي الداخلي.
وزير التخطيط ما يزال متفائلاً بمخرجات مؤتمر لندن للمانحين، وبإمكانية تحقيق شيء. فيما يشير وزير التربية والتعليم إلى الدفعة الأولى التي أتت من أجل بناء المدارس. وذلك بالطبع فأل حسن ومؤشرات جيدة، من أجل التخفيف من وطأة أزمة الأشقاء اللاجئين على الاقتصاد الوطني والبنية التحتية. لكن “سقف التوقعات” انخفض كثيراً عما بدا عليه -حتى لدى المسؤولين- غداة انعقاد مؤتمر لندن.
في ضوء ذلك كله، من الضروري أن نسأل اليوم، فعلاً: ما العمل؟! أردنياً، كيف يمكن أن نعتمد على أنفسنا أكثر في مواجهة الأزمات المالية وظلال شبح البطالة والفقر؟! وهل ذلك ممكن في ضوء شحّ الموارد المالية وبند النفقات الجارية المرتفع، وجزء من العلاقة الريعية التي ترهق الموازنة؟!
لا بديل عن ذلك الخيار؛ أي إصلاح الوضع الاقتصادي والمالي الداخلي، على المديات القريبة والبعيدة، ومواجهة الاختلالات غير المقبولة وغير المنطقية في أنظمتنا الضريبية وفي أنماطنا الاستهلاكية وفي التعليم وفي سوق العمل.
وفقاً لتقديرات المسؤولين، فإنّ 98 % من الأردنيين لا يدفعون ضريبة الدخل. وهو رقم بحاجة إلى شرح وتوضيح، فضلاً عن تجاهل المسؤولين وتناسيهم للعبء الضريبي الآخر، “المبيعات”. لكن دعونا عند هذا الاختلال الضريبي التفكير فيما هو أكثر أهمية منه، وهو عجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حل للتهرب الضريبي الكبير، بخاصة في طبقات الأطباء والشركات والتجار ورجال الأعمال، وهناك تقديرات بأنّ الموازنة تخسر ما بين نصف مليار إلى مليار دينار سنوياً بسبب ذلك.
من الضروري التفكير جدياً بتأهيل لضريبة الدخل، تشريعياً وإدارياً وقدرات، وتمكينها من الأدوات والوسائل للتحصيل ومعاقبة المتهربين.
لو أخذنا سوق العمل، فلا يمكن القبول في دولة يصل فيها معدل البطالة إلى هذا المستوى، أن يكون لدينا 700 ألف عامل وافد، وقطاعات مغلقة نظرياً مفتوحة عملياً أمام الجميع، فيما يتذرع المسؤولون بثقافة العيب لتبرير فشلنا، لكن لو توافرت شروط عمل وتأهيل جيدة سيكون الوضع مختلفاً.
يمكن أن نضرب عشرات الأمثلة على أهمية “ترتيب البيت الداخلي”؛ مثل فاقد الكهرباء، وتخفيف النفقات الحكومية، ما يمكن أن يشكّل الأرضية الحقيقية المطلوبة للتفكير في مستقبل مختلف، يعيد تشكيل ثقافة الأردنيين والمسؤولين، بل ونمط العلاقة بين الدولة والمواطنين.