رغم مرور أشهر على إجراء التعداد السكاني العام، إلا أن ثمة تسريبات عن ملاحظات جوهرية يثيرها مديرون وموظفون في دائرة الإحصاءات العامة، تتعلق بمدى سلامة الإجراءات التي اتُبعت في تنفيذ التعداد، وبالتالي مدى دقة المعلومات والبيانات المتأتية عن ذلك.
موظفون يسردون قصصا عن إغلاق شاشة المعلومات عن غالبية المعنيين، باستثناءات قلة. كما يتحدثون عن ضعف شبكة الإنترنت، كمعيق لسلامة العملية. وأيضاً عن خلل كبير في الكمبيوتر المركزي وانقطاع “كيبل”، إضافة إلى ضعف تدريب المعلمين على إجراء الإحصاء، وتغيب عدد كبير منهم عن العمل!
كذلك، تشير التسريبات إلى أن التعداد لم يكن عاما؛ إذ لم يشمل الجميع، مواطنين أو مقيمين أو وافدين. ومن ثم، يثير كثيرون علامات استفهام عن درجة شمول الإحصاء بشكل دقيق العديد من المناطق، في العاصمة والمحافظات الأخرى، وضمن ذلك أعداد غير الأردنيين المتواجدين على أرض المملكة، وماهية توزيعهم فيها.
التساؤلات المطروحة تستحق التوقف عندها، وتوفير إجابات وافية ومقنعة عنها، لأجل ضمان أن يقوم التخطيط لأي مسألة على قاعدة بيانات حقيقية موضوعية، تمكّن فعلاً من وضع حلول وإجراءات دقيقة، في سبيل تحقيق النتائج المرجوة منها.
ثمة مثال بسيط يمكن طرحه هنا، يتعلق بتسجيل اللاجئين والمقيمين السوريين في المملكة، وإصدار تصاريح عمل لهم؛ وهو الأمر الذي لم تتمكن وزارة العمل من القيام به، لعدم توفر بيانات بشأنه. إذ يوجد اليوم عشرات الآلاف من العاملين السوريين في قطاعات مختلفة، لكن لم تتمكن الوزارة، بحسب بيان صحفي صادر عنها، من تسجيل سوى عدد لا يتجاوز 8000 سوري.
فلو كانت البيانات حول المنشآت دقيقة، ومعروف توزيع السوريين على القطاعات الاقتصادية، لتيسرت عملية قوننة أوضاعهم، وتسجيل عدد أكبر من المتحصل بكثير. وهو ما يؤكد على ضرورة توفير دائرة الإحصاءات إجابات وافية عن حجم المنشآت الاقتصادية، وتوزيع العمالة فيها.
من ناحية أخرى، فإن هذه الجزئية ضرورية للمضي في قطف ثمار مؤتمر لندن للمانحين، لاسيما أن تقديم المنح الأوروبية -بافتراض صدق الوعود- مشروط بتشغيل 200 ألف سوري. وهو الأمر الذي يبدو من الصعب الوفاء به (أو للدقة، إثباته من حقيقة انخراط سوريين كثر في سوق العمل الأردنية) ضمن المعطيات الحالية.
أيضاً، وبما لا يقل أهمية عما سبق، لكن يفوقه إلحاحاً، فإن حقيقة اقترابنا من إجراء انتخابات نيابية، تجعل من الحتمي توفير بيانات حول التوزيع السكاني في مختلف مناطق المملكة. فهذه معلومات رئيسة في تحليل الواقع الانتخابي والتخطيط للعملية. ولا أدري إن كانت الهيئة المستقلة للانتخاب ودائرة الأحوال المدنية ستصطدمان بهذه المسألة وهما تحضّران للعملية الانتخابية التي ستشمل كل أردني أتم 18 عاما من عمره.
بصراحة، لا أحد يملك الدليل على مدى دقة ما يطرحه، أو يسربه، مسؤولون وموظفون في دائرة الإحصاءات العامة، مع التأكيد أنهم الأعلم بشعاب بيتهم. رغم ذلك، فإن على إدارة “الإحصاءات” الوقوف على ما يُقال أو يُشاع، ومحاولة اختبار قدرة بيانات نتائج “التعداد العام” على الإجابة عن القضايا السابقة، أقله لتفنيد الملاحظات المشككة، وطي الصفحة نهائياً بالتأكيد على سلامة التعداد ونتائجه. أما إن ثبت أن الملاحظات صحيحة، فلا ضير من إعلان ذلك، ومراجعة وإعادة جزئيات من التعداد، لأن الهدف هو السير على بيّنة في السنوات المقبلة، ومن غير المفيد أن نخطط للأردن من دون أن نعرف التوزيع الديمغرافي، وسماته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل إن المسألة أخطر مما يظن مسؤول يتوهم أن إخفاء الحقائق يمكن أن يمضي بسلام من دون أن يتأذى أحد نتيجة ذلك، فالمتضرر الفعلي المؤكد نتيجة هذا الخلل الجسيم هو الأردن ككل.