عروبة الإخباري – جلس في الركن المظلم من المقهى. وضع علبة سجائره أمامه. ظلّ يرتدي نظارته السوداء. تبادلنا نظرات الريبة والشك فقال أحمد هامسا بصوت خائف: نخرج ونترك له المكان كي لا يكتب عنّا. همس سعيد مطمئنا أحمد بصوت مرتجف: لو تركنا المكان سيشك بنا أكثر ولا يمنع من ملاحقته لنا وإلقاء القبض علينا.
لكن أنا لم أفعل شيئا يغضب الله أو يغضب رجال الأمن.قال أحمد.
بل فعلت يا أحمد ليلة الأمس ألا تذكر ؟ أم أذكّرك بفعلتك الشنيعة ؟
اخفض صوتك ماذا فعلت يارجل لم أفعل شيئا ليلة الأمس إنه يسمعنا. قال أحمد. ارتسمت على شفتي سعيد ابتسامة خائفة والتزم الصمت.
ساد صمت الشفاه بيننا وازداد ضجيج صراخ نظراتنا الفزعة من الرجل. ماذا تشربون قالها النادل فخرج قلب أحمد من صدره ليصل إلى النادل الذي يقف على بعد همسة وأضاف: لا شيء. لا شيء. نظر النادل بريبة نحو أحمد وقال باقتضاب: يجب أن تشربوا وإلا.. قالها النادل بنبرة تشي بشيء ما له نكهة التحدي. زاد خوفنا.
بدون وإلا يا سيدي سنشرب كل ما لديكم سنشربه. قلت بصوت خائف وأضفت: ماذا لديكم ؟
راح النادل يعرض خدماته بتعدد أنواع المشروبات المتوفرة لديه واقترب هامسا في أذن أحمد فانتفض أحمد كمن لدغته أفعى وهو يقول:خمر ؟ لا يا سيدي. استغفر اللهنحن لا نشرب الخمر. استغفر الله. استغفر الله.
شدّ النادل أحمد نحوه وهو يعض على اسنانه ومضى به نحو الباب المؤدي إلى حمامات الرجال.
هيمنت الريبة والشك في نفوسناأكثر. أراد سعيد اللحاق بأحمد لولا ذاك الصوت الذي خرج من رجل النظارات السوداء (إحم ممممممم) ألصقت سعيدا خائفا في كرسيه.
مضى وقت حسبناه نصف قرن ولمّا يعد أحمد، بينما النادل مازال يوفر طلبات الزبائن. حاول سعيد أن يشير بيده ليلفت نظر النادل إليه. لكن النادل واصل تجاهل نظرات سعيد المستجدية ويديه المرتجفة فقلت هامسا لسعيد: مارأيك بوساطة رجل المخابرات لإنقاذ أحمد؟ وأشرت بعيني إلى الرجل صاحب النظارات السوداء. حكّ سعيد أنفه بأصبعه وقد راقت له الفكرة ثم قال: كيف ؟ قلت مقاطعا كلامه إذهب إليه أنت واطلب وساطته.
أنا؟ قالها زاعقا كفأر بل اذهب أنت.
هل أنت خائف؟
نعم ميت من الخوف قالها سعيد وأضاف: وأنت؟
أوشك التبوّل في سروالي خوفا وبلا حاجة للتبول. أعتقد أني قلتها بصوت مسموع فضجت ضحكة سعيد حتى كاد يسمعها رجل المخابرات. تفكرت قليلا عن مخرج لما نحن فيه من مأزق وقلت: سأذهب وأعترف له بكل شيء.
هل أنت مجنون ؟
سأواجه وبعد اعترافي سأرجوه أن ينقذ أحمد من سجنه في الحمّام.
اهدأ واخز الشيطان ولا تذهب. قال سعيد.
سرت ببطء خائفا ترتعد قدماي باتجاه صاحب النظارات السوداء. النظارات السوداء مازالت تبحلق بي.وقفت أمامه ثم قلت: سأهترف لك يا سيدي. لكن لي رجاء أن تنقذ أحمد من سجنه. ظل يبحلق بي. اقتربت خطوة واحدة. أنا من اقترف الذنب وليس أحمد. زادت بحلقة الرجل. فتح فاهه. لا تتكلم ياسيدي سأخبرك. سأخبرك. اقتربت منه أكثر. تعثرت بعصاه. سقطت عصاه أرضا. تحسس عصاه. عصاه بعيده. نزل عن كرسيه متحسسا مكان سقوط عصاه. أعدته إلى كرسيه. وضعت العصا بيده. وخرجت.
* محمد عارف مشّه *قاص من الأردن