تواجه قوات التحالف العربي مأزقا حقيقيا في اليمن. العمليات العسكرية المكثفة منذ أشهر لم تسفر عن نتائج حاسمة. عدن التي تحررت من قبضة الحوثيين ومليشيات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ما تزال تعيش حالة من الفوضى والفلتان.
في الأسبوع الأخير، تكبدت قوات التحالف خسائر جسيمة لم تعتد دول الخليج عليها؛ 60 جنديا سقطوا في يوم واحد. كان الرد حملات قصف مكثفة على صنعاء، والدفع بمزيد من قوات النخبة؛ السعودية والقطرية، إلى ميدان المعركة في مدينة مأرب.
هل تحسم زيادة القوات المواجهة لصالح التحالف والشرعية المدعومة من الخارج؟
ليس هناك من المتابعين للشأن اليمني من يرجح هذه الفرضية. اليمن دخل طور الحرب الأهلية، وقوات التحالف ستواجه حرب استنزاف طويلة من قبل مليشيات مسلحة، وجماعات متطرفة.
سيكون من الصعب على دول صغيرة وقليلة السكان أن تتحمل المزيد من الخسائر البشرية في صفوف قواتها. وإذا لم تتمكن التعزيزات الإضافية من حسم معركة صنعاء على أقل تقدير، فإن أسئلة كثيرة ومحرجة ستطرح على طاولة النقاش في دول خليجية بعد حين.
لقد خسرت جيوش دول كبرى الحروب في تدخلات مشابهة، وخرجت منها مثقلة بالخسائر البشرية والمادية؛ أميركا في أغلب حروبها الخارجية، والاتحاد السوفيتي سابقا في أفغانستان.
صحيح أن قوات التحالف العربي لا تدخل اليمن محتلة. لكنها بالنسبة لبعض أطراف المعادلة اليمنية قوات غازية، يجب قتالها. ومع الدفع بمزيد من الوحدات العسكرية على الأرض، تصبح قوات التحالف أهدافا سهلة المنال، يمكن اصطيادها كما حصل في حادثة مأرب الأخيرة.
على المستوى المادي أيضا، ستصبح كلفة التدخل في اليمن أكبر من قدرة الدول على تحملها. دول الخليج تعاني، مثل سائر الأقطار المصدرة للنفط، من تراجع الأسعار عالميا. وسيكون لهذا التراجع أثره الملموس على مداخيلها وموازناتها في السنة المقبلة.
إيران؛ الداعم الرئيس للحوثيين في اليمن، أمام نفس التحدي، وقد لا تكون قادرة في المستقبل على الإنفاق على حربين؛ سورية واليمن.
لكن كما حاصل في سورية سيحصل في اليمن؛ النزاع المستمر يولد مصادر تمويل ذاتية، تديم الصراع من دون حسم ممكن. هذا أسوأ سيناريو بالنسبة لقوات التحالف، ولليمنيين بالطبع؛ استمرار النزف الداخلي لأمد طويل، بما يترتب عليه من أكلاف بشرية ومادية باهظة.
دول الخليج لن تحتمل وضعا كهذا لفترة طويلة. مجتمعاتها غير مهيأة لخسائر بشرية كبيرة. لقد تعودت على الدوام حماية أمنها بالدعم الخارجي. وجيوش بعض تلك الدول لم تدخل حربا في تاريخها. بعكس أطراف الصراع في اليمن؛ فهم في حالة حرب مستمرة منذ سنوات طويلة.
اليمن محرقة تأكل الأخضر واليابس، ولا منتصر في حربها المفتوحة والمستعرة. المنتصر هو فقط من يغادر المحرقة قبل أن تلتهمه النيران. والحل الوحيد والممكن لخروج كل الأطراف بأقل الخسائر، هو جلوس السعوديين والإيرانيين على الطاولة. خيار غير مفضل خليجيا؟ أكيد، لكنه أفضل المتاح يمنيا.