أكثر ما سبّب قلقاً وغضباً وإحباطاً لـ «الإخوان المسلمين» منذ عزل محمد مرسي عن الحكم ثلاثة أمور: بقاء الجيش موحداً رغم كل محاولات تفتيته أو إسقاطه، والثاني تزايد عداء الشعب للجماعة وتحول الملايين من متعاطفين معها ومناصرين لها إلى مطالبين بإعدام قادتها وسجن باقي أعضائها، أما الأمر الثالث فهو بقاء العلاقات المصرية مع المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص عند مستواها العالي والمتميز، واستمرار التعاون بين البلدين إلى درجة تحالفهما في مواجهة الإرهاب في المنطقة، وإصرار الرياض على دعم مصر في معركتها ضد الإرهاب ومساندة جهودها من أجل تحقيق التنمية والتصدي لمحاولات خنق مصر أو إسقاطها، وكذلك تأكيد القاهرة مراراً على الدور السعودي في المنطقة، ودعم الشرعية في اليمن، ومشاركة السعودية ودول التحالف العربي في التصدي للإرهاب والتمدد الإيراني، كل ذلك على رغم الأسافين التي زرعها «الإخوان» ومناصروهم وحلفاؤهم من أجل ضرب هذه العلاقة، وضمن المحاولات المستميتة لإحداث الوقيعة بين البلدين.
جاء موضوع «معرض الحوثيين في مصر» مثيراً للسخرية لاعتماده على الوهم من دون أي حقيقة دامغة أو واقعة حقيقية. يلفت انتباهك هنا أن مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الموالية لـ «الإخوان» ووسائل الإعلام الداعمة للجماعة روّجت للأمر وتعاملت معه وكأنه حقيقة، بل ان بعضها بكى حزناً على موقف القاهرة واستغرب التراجع المصري وتغيير السيسي لموقفه. نقرأ ونسمع ونشاهد وكأنك تلاحق خيالاً علمياً محبك الصنعة لكن تكتشف في النهاية أنها مجرد أوهام، ويبدو أن إجادة وسائل إعلام «الإخوان» حبك الدور جعل وسائل الإعلام المصرية تصدق أن معرضاً للحوثيين افتتح في القاهرة وأن حشوداً حضرته، وأن مسؤولين شاركوا فيه، فتفادت تناول الموضوع، على رغم أن الفضائيات المصرية عادة لا تترك موضوعاً إلا وتشبع فيه لطماً على الخدود. وهكذا خلت الساحة لوسائل إعلام «الإخوان» لتُروّج لقصة غير موجودة أصلاً وتنسج خيالاً وكأنه واقع. بدأت القصة الوهمية بخبر على إحدى القنوات الاخبارية، وانتشر في كل قنوات «الإخوان» ووسائل إعلامهم، ومفاده أن القيادي الحوثي كشف في تغريدة على موقع «تويتر» أن جماعته أقامت معرضاً مصوراً وندوة في القاهرة عن حرب اليمن تضمن هجوماً على «عاصفة الحزم»، وان المعرض والندوة أقيما في ساقية الصاوي (مركز ثقافي في حي الزمالك) وحققا نجاحاً مبهراً، وأن ذلك النشاط تحقق بفضل جهود ملحقة ديبلوماسية مصرية موالية للحوثيين تعمل في السفارة اليمنية في القاهرة اسمها سلوى السماوي. ولمحاولة تثبت الإدعاء ظهرت مع الخبر صورة فوتوغرافية لشباب يقفون أمام صور في الخلفية لا يبدو منها شيء على أساس أنهم في المعرض!
غابت وسائل الإعلام المصرية عن الموضوع ونشطت وسائل الإعلام «الإخوانية» في الترويج له وصب مزيد من الكذب على مفرداته، ومن باب الحرص المهني كان لا بد من التحقق من الأمر ولو بمكالمة هاتفية بالمسؤولة الإعلامية في «ساقية الصاوي» سمر متولي التي عبّرت أولاً عن ذهولها من جسارة الإدعاء والإصرار عليه، ثم أوردت أدلة فضحت الرواية «الإخوانية»، وروت أن سيدة يمنية وليست مصرية قالت إن اسمها سلوى السماوي تواصلت مع «الساقية» لإقامة معرض فيها، وبحسب الأنظمة المُتبعة، طُلب منها تقديم مشروع عن المعرض يتضمن نماذج من الأعمال التي ستُعرض فيه، واستيفاء عدة بيانات، غير أنها لم تُقدم تلك الأوراق، ولم يُقم المعرض وأنتهى الأمر. وأوضحت أن طريقة تعليق اللوحات في الصورة المُزيفة التي نشرتها وسائل الإعلام «الإخوانية»، تُخالف أسلوب «الساقية» التي لا تعتمد في معارضها تعليق اللوحات وهي مدلاة، لكنها تقوم بتثبيتها في براويز على الحائط.
ثم أشارت إلى أن يومي 6 و 7 تموز (يوليو) اللذين قيل إن «الساقية» استضافت فيهما المعرض المزعوم، شهدا جمعاً من الصحافيين في معرضي الخط العربي «روحانيات الخطوط» و»لفظ الجلالة»، فضلاً عن أن أنشطة «الساقية» تنال قدراً كبيراً من تغطية وسائل الإعلام، التي ما كانت لتنتظر المحسوبين على «الإخوان» للكشف عن هكذا معرض.
عموماً بعد الواقعة يمكنك معرفة: لماذا لا يصدق الناس «الإخوان»؟ الإجابة ببساطة تظهر في فيلم معرض الحوثيين المزعوم في القاهرة، تماماً كالإدعاء بأن مرسي سيعود إلى القصر يوم الأحد، علماً بأن الجماعة لم تحدد لأعضائها يوم الأحد من أي شهر أو أي سنة!
محمد صلاح/حكاية معرض الحوثيين!
20
المقالة السابقة