عروبة الإخباري – نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية تقريرا بمناسبة زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لألمانيا، حول الجدل الذي أثارته الزيارة، والأهداف الحقيقية من ورائها، وردود أفعال الجمعيات والنشطاء الحقوقيين حول هذه الزيارة.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير إنه بعد سنتين من انقطاع العلاقات، تمكن السيسي من ترتيب زيارة إلى ألمانيا، ورغم الانتقادات التي يتعرض لها النظام المصري، والانتقادات التي تعرضت لها الحكومة الألمانية أيضا بسبب قبولها هذه الزيارة، فإنه يبدو أن كلا من الطرفين لا يهتم بشيء غير تحقيق مصالحه.
وعلى الرغم من الجدل الذي يرافق الزيارة، فإن السجاد الأحمر سيفرش لعبد الفتاح السيسي، بعد أن وافق الرئيس الألماني خواكيم غوك على استقباله صباح الأربعاء.
وذكرت الصحيفة بأن السيسي كان قبل سنتين من الآن مجرد مسؤول عسكري، استغل الأوضاع لينقض على السلطة ويطيح بالرئيس المصري، محمد مرسي، في صيف سنة 2013، ما جعله عرضة للانتقادات المتواصلة منذ ذلك الانقلاب، بسبب قمعه لمعارضيه.
وبحسب الصحيفة، يبدو أن كل هذه الأحداث تم نسيانها الآن، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ووزير الخارجية فرنك وولتر شتاينماير، من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، عبرا عن استعدادهما لمقابلة هذا الضيف المثير للجدل في برلين، فيما تمسك رئيس البرلمان الألماني، نوربارت لامرت، برفض هذه الزيارة.
وذكرت الصحيفة أن ألمانيا تتعرض في هذه الأيام لانتقادات لاذعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمراقبين السياسيين، لأن هؤلاء يعتبرون أن نظام السيسي هو جزء من المشكلة، ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن أحد الباحثين في المركز الألماني للدراسات الأمنية والسياسية، أن “الحكومة الألمانية بتصرفها هذا تعتبر شريكا في المسؤولية الأخلاقية على ما يحدث في مصر”، كما ذكرت أن العديد من النشطاء السياسيين والمدافعين عن الديمقراطية يستعدون للخروج في مظاهرات احتجاجية في برلين، عند قدوم السيسي.
كما نقلت عن فينزل ميكالسكي، رئيس فرع هيومن رايتس وتش في ألمانيا، إنه “متأكد من أن السلطات الألمانية تعلم تماما حجم انتهاكات حقوق الإنسان التي يتم ارتكابها في مصر”، وذكرت أن خمسة من أكبر المنظمات الحقوقية أصدرت دعوة مشتركة لأنجيلا ميركل للتراجع عن موقفها المرحب بالزيارة.
وأضافت الصحف، نقلا عن عضوة البرلمان فرنشيسكا بارتنر، من حزب الخضر، إن فرش السجاد الأحمر للسيسي في برلين يمثل ضربة للمعارضين والنشطاء الذين يكافحون في مصر. وكان حزبها قد وجه دعوة للناشط الحقوقي محمد لطفي للقدوم إلى برلين، ولكن السلطات في القاهرة منعته من المغادرة أثناء استعداده للسفر الثلاثاء.
واعتبرت الصحيفة أن الجدل الدائر حول زيارة السيسي، سببه الأوضاع التي تشهدها مصر تحت حكمه، بعد أن أرسى نظاما دكتاتوريا وأدخل البلاد في دوامة من العنف والقمع لا حد يمكنه التنبؤ بما ستؤول إليه. كما اعتبرت أن الأوضاع الحالية في مصر أسوأ مما كانت عليه في عهد الدكتاتور السابق حسني مبارك قبل سنة 2011. وهو ما تثبته كل تقارير جمعيات حقوق الإنسان الدولية.
وأوردت الصحيفة إحصائيات نشرتها هذه الجمعيات الحقوقية، تشير إلى مقتل 2500 شخص على الأقل في مظاهرات معارضة لحكم السيسي، واعتقال أربعين ألفا لأسباب سياسية. كما تعرض حوالي مئة شخص للتعذيب حتى الموت في السجون المصرية، بالإضافة إلى ارتكاب الاعتداءات الجنسية والاغتصاب ضد الموقوفين بشكل روتيني.
وأشارت إلى أن مصر أصبحت بلدا خطيرا بالنسبة للصحفيين والنشطاء الحقوقيين ونشطاء الديمقراطية، لا يمكنهم التحرك فيه دون التعرض للمراقبة والمضايقة، كما أصدر القضاء أحكاما غير منطقية وبسرعة قياسية، تقضي بإعدام المئات من الناس بسبب قضايا سياسية، بعد عقد جلسات في المحاكم لم تدم في بعض الحالات أكثر من بضع دقائق، كان آخرها حكم الإعدام الصادر بحق الرئيس المصري محمد مرسي، قبل أيام قليلة من زيارة السيسي لألمانيا.
وبحسب الصحيفة، يريد السيسي من خلال هذه الزيارة تلميع صورته، والشعور بأنه يحظى بالاعتراف الدولي، وإظهار أنه القادر على ضمان أمن واستقرار مصر، كما أن استقباله في ألمانيا سيشجع المستثمرين المترددين حيال المخاطرة بأموالهم في مصر في ظل الأوضاع الحالية.
ولتحقيق هذا سيعقد السيسي لقاءات مع عدد من رؤساء الشركات الكبرى الألمانية، في إطار مساعيه لتحريك عجلة الاقتصاد المصري الذي يعاني من صعوبات كبيرة دون أي بوادر للانفراج، بسبب استشراء الفساد في كافة أجهزة الدولة، حتى أصبحت مصر على حافة الإفلاس، حيث إنها تعيش الآن على المساعدات التي تقدمها دول الخليج، بينما تتصرف المؤسسة العسكرية في موارد الدولة كأنها ملك شخصي.
في المقابل، تساءلت الصحيفة عما تريده ألمانيا من السيسي، وذكرت أن الحكومة الإتحادية تقول إنها تريد دفع السيسي للقيام بإصلاحات في مصر، وإجراء انتخابات برلمانية في السنة الحالية، رغم أنها تعلم أن هذه الانتخابات لن تكون حرة أو شفافة.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن السيسي، الذي يحل ضيفا ثقيلا الظل على برلين، والذي أجهض الانتقال الديمقراطي في مصر، سيستمع خلال زيارته لبرلين إلى الكثير من الانتقادات، ولكنه سيحاول تفادي الدخول في نقاشات حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسيركز على تحقيق أهدافه التي جاء من أجلها.