عروبة الإخباري –
يعيش النظام العالمي في المرحلة الراهنة مرحلة انتقالية تتشكل فيها ملامح النظام العالمي الجديد وتتشكل فيها التحالفات الدولية والإقليمية وتقوم الدول التي لديها مشروع في المنطقة باستعراض قوتها ومدى تأثيرها في موازين القوى وتوازنها.
إيران دولة مؤثرة في الإقليم وجزء مهم منه ولديها مشروعها الخاص في تصدير الثورة ومد نفوذها الجيوسياسي في دول المنطقة العربية، كما هي دولة الاحتلال الاسرائيلي ايضاً التي تمتلك مشروعها الخاص المتمثل في تهجير الفلسطينيين من كامل أرض فلسطين التاريخية ومن ثم تحقيق رؤية اسرائيل الكبرى على الأراضي العربية وللأسف لا يوجد مشروع عربي موحد في مواجهة ما يتم فرضه من توازنات قوى في المنطقة وهو ما يهدد الأمن القومي العربي في ظل تحييد العواصم العربية المركزية سواء بالحروب الاهلية والطائفية أو بالأزمات الاقتصادية.
يعد الهجوم الإيراني على دولة الاحتلال الاسرائيلي هو الهجوم المباشر الأول بعد سنوات طويلة من حرب خفية وغير مباشرة بين الطرفين وما هذا الهجوم إلا خطوة أولى لفرض واقع جديد في المنطقة وفرض لقواعد اشتباك جديدة بين الطرفين وتطبيقا لنظرية الردع، وكان هذا الهجوم الإيراني على إسرائيل قد تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة وعلمها، حيث أن إيران أبلغت الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال الوسطاء، بالهجوم وموعده قبل يومين من القيام به ويبدو انه كان محدد الأهداف ايضاً، حيث أن هذا الهجوم جاء رداً على استهداف قنصلية إيران في دمشق وليس لسبب آخر كما يتوهم البعض أو يتمنى، وقد حمل الهجوم الإيراني رسائل عدة لدول المنطقة كلها على حد سواء وليس لدولة الاحتلال الاسرائيلي فقط، ومن ضمن تلك الرسائل أن ايران قوة إقليمية قادرة على تهديد امن اي دولة في المنطقة، وبأنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه او تجاهله، وهو ما قد يدفع دول المنطقة العربية إلى التماهي بشكل اكبر مع السياسة الأميركية في المنطقة والعالم،
وما كان ملحوظاً بشكل مريب ومقلق في العملية العسكرية الإيرانية انها حاولت بشكل او بآخر اقحام الأردن بهذا السجال وجعله ساحة معركة من خلال استخدام المجال الجوي الأردني رغم قدرة إيران على تنفيذ هجومها من اجواء دول عربية مجاورة تخضع بشكل او بأخر لسيطرة إيران وقرارها بشكل مباشر او غير مباشر وهو ما يشير إلى أن الأردن مستهدف من صناع القرار في طهران، وما يدل على ذلك ما شهدناه في الفترات السابقة من تكرار المحاولات لاختراق الحدود الأردنية الشمالية وتهريب المخدرات من قِبل جماعات مسلحة ومدعومة ومحسوبة على إيران، وهذا الاستهداف اصبح اكثر وضوحاً بعد محاولة إيران التعدي على السيادة الأردنية من خلال استخدام واختراق المجال الجوي الأردني وهو ما يهدد امن الوطن وسلامة مواطنيه وهو ما ترفضه الأردن وتصدت له بشكل حازم ولم ولن تسمح فيه من قبل اي طرف ولأي غاية كانت، ولقد كان الموقف الأردني ثابت ودائم بعدم السماح للتعد على سيادته او جعل ارضه او سماءه مسرح لأي تجاذبات من الشرق أو الغرب على حد سواء، وأن الأردن من الدول التي تتمتع قواته المسلحة وجيشه العربي الباسل وأجهزته الأمنية بدرجة عالية من الكفاءة والاحتراف والتميز وتتعامل بكل صرامة وحزم ومسؤولية مع ما تواجهه من تحديات أو تهديدات خارجية لأمن المملكة، وفقا للتطورات التي تحدث في المنطقة والعالم ووفقاً للتحولات التي تحدث في موازين القوى، ولا بد لنا كأردنيين من اليقظة وعدم الانجرار عاطفياً وراء كل من يحاول ان يستغل شغف الشعوب العربية لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني الشقيق في تحرير ارضه من ابشع احتلال في العصر الحديث، حيث أن ما ارتكبه الاحتلال الاسرائيلي من جرائم بحق الشعب الفلسطيني وما يرتكبه من مجازر وفظائع الإبادة الجماعية لاهلنا في غزة، جعل البعض يُحكم عاطفته دون تحكيم العقل والاستماع لصوت المنطق وحتى دون الالتفات لأبسط قواعد العلاقات الدولية وموازين القوى بين الدول.
فالحرص كل الحرص على وطننا الأردني الغالي وهو الصامد في عين العاصفة التي تجتاح منطقتنا منذ سنوات عدة وما زال مستقراً وقادراً على مواجهة كل هذه التحديات، ولذلك فإن استقرار الأردن وأمنه ووحدته الوطنية مستهدفين من قِبل اكثر من طرف في المنطقة، طرف يرى في الأردن امتداداً لتصدير مشروعه الطائفي والطرف الاخر يرى في الأردن امتداد لمشروعه الاستعماري الاستيطاني.
ولا بد لنا أن نعي دائماً وابدا بأن الأردن القوي المستقر هو مصلحة عليا للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الشقيق والحصن المنيع للأمن القومي العربي وعمقه الاستراتيجي.