عروبة الإخباري –
كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) عن تعرّض قطاع غزة لتدمير وتداعيات اقتصادية غير مسبوقة، ونبّهت إلى أرقام مذهلة مفادها أن جميع سكان غزّة تقريباً، أو ما يقدّر بنحو 96%، يعيشون الآن في فقر ويعانون أشكال الحرمان المتعدّدة بسبب الحرب الحالية.
وذكرت إسكوا، في تقرير أن الحرب الدائرة حالياً إلى جانب الحصار الذي كان مفروضاً على غزة على مدار السنوات الماضية – زجّا بالسّكان في دوّامة غير مسبوقة من الحرمان والفقر المتعدّد الأبعاد، ما أوصل إلى كارثة إنسانية على المستويات كافة. وأدّى القصف الإسرائيلي إلى تدمير 43% من الوحدات السكنية بالكامل أو إلحاق أضرار بها.
وحسب التقرير الأممي، فإنّ قطاع غزة لم يكن قبل الحرب يعيش وضعاً طبيعياً، إذ إن الحصار المفروض عليه منذ عام 2007 هو أخطر مظهر لسياسات إسرائيل الطويلة الأمد المتمثلة في تقييد حركة الفلسطينيين، وهو ما يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
وخلالها انخفض المعدل الشهري للخروج من غزة من أكثر من نصف مليون شخص عام 2000، إلى نحو 35 ألف شهرياً عام 2022، مع الإشارة إلى أن الحصار يقيّد دخول وخروج البضائع.
وبيّن التقرير أن غزة قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الجاري كانت تعيش مع تصعيد عسكري متكرّر أدى إلى تراجع التنمية وتركزت المساعدات على الجوانب الإغاثية والإنسانية.
وعلى مدى سنوات، تشهد غزة دوّامة اجتماعية واقتصادية، ففي عام 2022، بلغ دخل الفرد السنوي ما متوسّطه 1256 دولاراً بانخفاض عن 1972 دولاراً عام 2000، وهذا هو أحد المؤشرات العديدة للوضع المزري الذي عاش فيه سكان غزة قبل الحرب الأخيرة.
وبعد السابع من تشرين الأول الجاري، يعيش سكان غزة تحت قصف عنيف متواصل لا يسبّب الدمار المادي فحسب، بل يحرمهم أيضاً من الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية المنقذة للحياة والمياه والغذاء والكهرباء والتعليم والتوظيف.
وختم التقرير بالقول «حتى في حال قبول وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ستبقى نسبة كبيرة من السكان عالقة لعدّة سنوات في دوامة الفقر والحرمان. ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى فداحة الخسائر في الأرواح وهول أعداد الجرحى، وفقدان رأس المال البشري والقدرات البشرية، وتدمير البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية».
في إسرائيل، وبحسب كبير الاقتصاديين في شركة الاستثمار «ميتاف» أليكس زبينسكي ستصل أضرار الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة إلى أكثر من 70 مليار شيكل (18 مليار دولار)، وهو ما يشكّل حوالى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي. وتتوزّع الخسائر والأضرار إلى 4 مجالات هي: التكلفة المباشرة للقتال، ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات، والمساعدات المالية للعائلات والمصالح التجارية، وفقدان إيرادات الدولة بسبب الأضرار التي لحقت بالنشاط الاقتصادي.
في المقابل، رجّح مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية أن بلاده ستضطر إلى إنفاق مبالغ أكبر لتمويل الحرب ضد حماس ممّا قدره بنك إسرائيل هذا الأسبوع، مشيراً إلى أن التكلفة لن تتجاوز ما حدث خلال جائحة كورونا والتي بلغت نحو 50 مليار دولار.
وأضاف المسؤول في إدارة المحاسب العام في الوزارة التي تدير تمويل وديون الحكومة للصحافيين في إفادة «لا أعتقد أنها ستتجاوز ما أنفقناه خلال كوفيد لكني أعتقد أنهم (في البنك المركزي) متفائلون أكثر مما يجب» بشأن تكاليف الحرب.
وقدّر البنك المركزي يوم الاثنين الماضي أن عجز الموازنة في 2023 سيبلغ 2.3% من الناتج الإجمالي المحلي و3.5% في 2024، مقابل تحقيق فائض 2022 في حال بقي الصراع مقصوراً على قطاع غزة ولم يمتدّ لجبهات أخرى.
وخلال الجائحة أنفقت إسرائيل نحو 200 مليار شيكل (50 مليار دولار) على إجراءات مواجهة تداعياتها.
وصرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأن الميزانية الحالية لإسرائيل «لم تعد مناسبة» بسبب حرب غزة وسيجري تعديلها. وأضاف أنه لم يقيّم بعد التكاليف غير المباشرة على الاقتصاد الذي دخل حالة شلل جزئي بفعل التعبئة الجماعية لجنود الاحتياط والهجمات الصاروخية الفلسطينية المكثفة، وقدر التكلفة المباشرة للحرب بمليار شيكل (250 مليون دولار) يومياً.
ووصف سموتريتش خفض ستاندرد آند بورز للتوقعات إلى «سلبية» من «مستقرة» بأنه «مثير للقلق»، لكنه قال إنه لا يتوقع أن يحدث عجز كبير في إسرائيل برغم الأزمة.
وبموجب قانون الموازنة العامة في إسرائيل، فإن قيمة موازنة الدولة في 2023 تبلغ 484 مليار شيكل (132 مليار دولار)، و514 مليار شيكل (140 مليار دولار) لعام 2024.
وفي تقرير لوكالة رويترز عن إسرائيل جاء: قوة عاملة مستنزفة، صفارات إنذار مستمرة تحذر من خطر الصواريخ، شعور بالصدمة بسبب الهجوم غير المتوقع، كلها عوامل تسهم في حجم التكلفة التي سيتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة للحرب مع حركة حماس ويُتوقع أن تكون مختلفة عن أي شيء آخر تعرض له الاقتصاد منذ عقود.
فقد توقفت منذ عدة أيام الرافعات التي تنتشر في أفق تل أبيب بعد أن أغلقت المدينة مواقع البناء. وأفاد تقرير صناعي أن هذه المواقع أُعيد فتحها هذا الأسبوع في ظل إرشادات أكثر صرامة لضمان السلامة، لكن توقف النشاط في هذا القطاع وحده يكلف الاقتصاد ما يقدر بنحو 150 مليون شيكل (نحو 37 مليون دولار) يومياً.
وقال راؤول ساروجو، رئيس جمعية بناة إسرائيل «هذه ليست ضربة للمقاولين أو رجال الصناعة وحدهم… إنها ضربة لكل أسرة في إسرائيل».
وكان اقتصاد إسرائيل وحجمه نحو 500 مليار دولار – وهو الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط بفضل نقاط القوة الكامنة في التكنولوجيا والسياحة- سليماً معافى على مدار معظم عام 2023. كما كان النمو في طريقه للوصول إلى 3% هذا العام مع انخفاض البطالة.
لكن مع احتمال حدوث حرب برية وشيكة لغزة واحتمال تحوّل الحرب إلى صراع إقليمي، أصبح الإسرائيليون يتحصّنون بالمخابئ وقلَ إنفاقهم على كل شيء باستثناء الغذاء، بينما حذرت وكالات التصنيف بالفعل من أنها قد تخفّض تقييمها للجدارة الائتمانية لإسرائيل.
تم استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط في الجيش، ما تسبّب في فجوة كبيرة في القوى العاملة وتعطيل سلاسل التوريد من الموانئ البحرية إلى متاجر التجزئة، في حين يقوم تجار التجزئة بمنح إجازات للموظفين، وسط انخفاض قيمة الشيكل.
وأدّى الصراع أيضاً إلى وقف حركة آلاف العمال الفلسطينيين من غزة إلى إسرائيل وتقليص تدفّقهم من الضفة الغربية المحتلة.
وكانت السلالم المتحرّكة والممرّات في مركز التسوّق الرئيسي في القدس خالية خلال الأسبوعين الأولين من الحرب، على الرغم من عودة الزبائن ببطء.
وقال نتانيل شراجا، مدير متجر كولومبيا للملابس الرياضية، «هناك انخفاض كبير في الحركة والتنقل». وأضاف أن بعض موظفيه تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية. أما البعض الآخر فيشعر بخوف شديد من القدوم إلى العمل.
وأصبحت الفنادق نصف ممتلئة بالإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية، وباقي الغرف فارغة في أغلب الأحيان.
وما زال العمل مستمراً في المصانع، حتى تلك القريبة من غزة، لكن هناك مشكلة على الدوام تتعلق بعدم كفاية سائقي الشاحنات الذين يقومون بأعمال التسليم المنتظمة.
وانخفضت مشتريات بطاقات الائتمان بنسبة 12% في الأسبوع الماضي مقارنة بالفترة ذاتها قبل عام، مع تراجع حاد في جميع القطاعات تقريباً باستثناء الارتفاع الكبير في التسوّق بمتاجر التجزئة.
وتتعرض صناعة التكنولوجيا الفائقة – التي ازدهرت خلال جائحة كوفيد- لصعوبات. وعادة ما تمثل هذه الصناعة 18% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونصف إجمالي الصادرات.
وقال باراك كلاين، المدير المالي بشركة ثيتاراي للتكنولوجيا المالية «تنخفض الإنتاجية بشكل كبير، لأن من الصعب التركيز على العمل اليومي عندما تكون لديك مخاوف تتعلق بوجودك».
وتم تجنيد 12 من موظفي الشركة الـ80 المقيمين في إسرائيل ضمن قوات الاحتياط. وبقي آخرون -لديهم أطفال- بالمنازل، بينما لا يزال الخوف المستمر من إطلاق الصواريخ قائماً.
وأنشأت شركة ثيتاراي مركزاً للرعاية النهارية للموظفين الذين يحتاجون إلى اصطحاب أطفالهم معهم، واعتمدت على مكاتبها في الخارج لتحمل جزءاً من عبء العمل.
وقال درور بن، الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية التي تموّلها الدولة، إنه تم استدعاء ما يُقدّر بنحو 10 إلى 15% من القوى العاملة في مجال التكنولوجيا الفائقة للخدمة في صفوف قوات الاحتياط.
وأضاف «نحن على اتصال بمئات من شركات التكنولوجيا، وخاصة المشاريع في المراحل المبكرة»، موضحاً أن العديد منها في منتصف دورة التمويل وبدأت أموالها في النفاد.
وبهدف تقديم المساعدة، أنشأت هيئة الابتكار صندوقاً بقيمة 100 مليون شيكل (نحو 25 مليون دولار) لمساعدة 100 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا على الصمود في وجه العاصفة.
وأنشأت وزارة الاقتصاد غرفة عمليات في وقت الحرب ووجّهت نداء للمساعدة. وتطابقت قاعدة بياناتها حتى الآن مع ما لا يقلّ عن 8550 شخصاً بالشركات المتعثرة.
وعندما تعرّض مركز لوجستي لسلسلة متاجر كبرى لضغوط شديدة، تم إرسال 38 شخصاً لملء الفراغ في نوبة العمل الليلية.
وعدت الحكومة «بعدم وضع حدود» للإنفاق على تمويل الحرب وتعويض الأسر والشركات المتضررة، وهو ما يعني عجزاً أكبر في الميزانية ومزيداً من الديون.
وقد لا تكون صراعات الماضي دليلاً صحيحاً لمسار الاقتصاد. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 0.5% في الحرب التي استمرت 34 يوماً مع حزب الله اللبناني في عام 2006 مع انخفاض الصادرات وتباطؤ التصنيع، لكنّ التعافي الذي أعقب ذلك جاء سريعاً. ويقول المسؤولون إن ما يحدث اليوم أمر مختلف.
وقال ليو ليدرمان، كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك هبوعليم -أحد أكبر البنوك في إسرائيل- إن هناك «أزمة نفسية» لدى الجمهور الإسرائيلي وإن تأثيراتها السلبية بدأت بالفعل.
وأضاف «سيقلل الناس الإنفاق الاستهلاكي بسبب حالة عدم اليقين والأجواء» السائدة. وبما أن الإنفاق الاستهلاكي يمثل أكثر من نصف النشاط الاقتصادي، فقد يكون الضرر الذي يلحق بالاقتصاد كبيراً.
وقال مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية لرويترز «استطاعت إسرائيل أن تتعافى بشكل ملحوظ من كل الأعمال القتالية الأخيرة… يبدو أن هذا الحدث أكثر إثارة، رغم أنه من المبكر جداً التأكد من ذلك».
وقلّص بنك إسرائيل المركزي تقديراته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3% انخفاضاً من 3% وإلى 2.8% هبوطاً من 3% العام 2024 على افتراض احتواء الحرب في غزة.
ويتوقع محافظ البنك أمير يارون – الذي يعارض خفض أسعار الفائدة في الوقت الحالي- حدوث انتعاش. وقال «لقد عرفنا كيفية التعافي من خلال الفترات الصعبة في الماضي و(عرفنا كيفية) العودة للرخاء سريعاً… ليس لدي أدنى شك في حدوث ذلك هذه المرة أيضاً».