الصراع مع المشروع الصهيوني ليس خلاف أو نزاع حدودي ويحتاج إلى التحكيم أو الخوض في المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة هو صراع بين كيان تشكل من مجموعة من العصابات الإرهابية الصهيونية المسلحة العنصرية، والتي أفرزها المشروع الاستيطاني الصهيوني للأستيلاء
على فلسطين، وإنشاء الكيان الصهيوني من خلال عملية التطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني عبر سلسلة من المجازر الوحشية والاعدامات الميدانية للمواطنين الفلسطينيين، وفي إطار تلك النماذج من المجازر تأتي مجزرة قرية الدوايمة في منتصف ليل 28أكتوبر 1948 قامت كتيبة الكوماندوز 89 التابعة للجيش الإحتلال الإسرائيلي والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي شتيرن والآرغون وبقيادة مجرم الحرب موشية ديان بارتكاب مجزرة رهيبة ضد سكان قرية الدوايمة، وقد ظلت تفصيل هذه المجزرة طي الكتمان، إلى أن كشفت عنها لأول مرة مراسلة صحيفة حداشوت الإسرائيلية خلال شهر سبتمبر عام 1984م.
تفاصيل المذبحة، جاءت الفرق الإسرائيلية وهاجمت القرية من الجهة الغربية ثم توزعت الآليات إلى ثلاث مجموعات، الأولى اتجهت نحو الجهة الشمالية، والثانية نحو الجنوبية، والثالثة نحو الطرف الغربي، وتركت الجهة الشرقية مفتوحة، ثم بدأت عملية إطلاق النار وتفتيش المنازل منزل منزلاٌ، وقتل كل من يجدوه صغيراً كان أم كبيراً شيخاً أم أمراة، ثم نسفوا بيت مختار القرية، وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 29 أكتوبر 1948, مرت المصفحات الإسرائيلية بالقرب من مسجد الدراويش في القرية، وكان في داخله حوالي 75مسناً يستعدون لأداء الصلاة فقام الإسرائيليون بقتلهم جميعاً بالمدافع الرشاشة، وبعد ظهر نفس اليوم إكتشفت القوات المهاجمة المغارة الكبيرة “طورالزاغ” التي لجأ إليها مايزيد عن 45 عائلة واحتموا داخلها، فأخرجوهم وأطلقوا عليهم النيران وحصدهم جميعاً قتلى عند مداخل المغارة وفي ساعات الليل تسلل بعض سكان القرية إلى منازلهم ليأخذوا بعض الطعام والملابس فعمد الصهاينة إلى قتل كل من يضبط عائداً إلى القرية، وفي سوق القرية قتل الإسرائيليون عدة أشخاص ثم جمعوا جثثهم وأضرموا فيها النيران حتى تفحمت، في نهاية الأمر هذا نموذج من الهولوكوست الصهيوني المتكرر الذي بدأ منذوا أن وطأت العصابات الإرهابية الصهيونية المسلحة أرض فلسطين التي ارتكبت أبشع المجازر الوحشية والاعدامات الميدانية علي أيدي تلك العصابات الإرهابية والمستمرة حتى الآن دون توقف أو محاسبة، والغريب في الأمر أن ما يزال البعض على المستوى الداخلي الفلسطيني يتحدث عن إمكانية السلام وحل الدولتين أو ما يسمى الدولة الواحدة كما بدأ منذ فترة الترويج لمثل هذه الفكرة بل وتصبح مادة للنقاش.
في حين أن الجميع يدرك بأن المشروع الصهيوني الاستيطاني العنصري لم يتراجع عن مضمون المشروع الاستيطاني العنصري في فلسطين والمنطقة العربية، في حين ومع الأسف الشديد بأن الجانب الفلسطيني قد تراجع وبشكل تدريجي منذ النقاط العشرة خلال إنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني 1974 إلى الآن وبشكل مجاني دون أي مقابل ويبدوا أن البعض الآخر وجدوا بأن المشروع الوطني الفلسطيني قد تحول إلى مشروع وظيفي منذ القبول في إتفاق أوسلو حتى يومنا الحاضر رغم توقف الإحتلال عن الحديث حول ذلك الإتفاق والأسوء من ذلك أن يتحول الصراع مع العدو الإسرائيلي إلى مجرد تحسين في شروط الأمور الحياتية تحت الإحتلال،في حين يخرج مسؤول في السلطة ويبتسم أمام وسائل الإعلام ويتحدث عن الموافقات الإسرائيلية على تصاريح لم شمل رغم أهميتها للمواطن الفلسطيني بل أصبح موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول العمال من الضفة الغربية وقطاع غزة للعمل في “إسرائيل” إنجاز وطني، والأخطر بأن تصبح هذه الشرائح بموقع القرار الفلسطيني هذا النموذج الآن السائد في شطري الوطن، حيث تحول الانقلاب إلى سلطة الأمر الوقع في قطاع غزة من شعار المقاومة وتحرير فلسطين إلى قضية إعادة الأعمار في قطاع غزة والمزيد من المنحة الإسرائيلية للسماح للرجال والنساء في العمل في “إسرائيل” و بتوسبع مساحة الصيد البحري وفتح المعابر مقابل الالتزام حماس في الأمن والاستقرار والتهدئة على الحدود أي تحول المقاومة إلى حرس الحدود، وإلى التهدئة الشاملة والدائمة مع الاحتلال الإسرائيلي، هذا النموذج الفلسطيني القائم في شطري الوطن لا يحتاج إلى المصالحة أو التوافق بل إلى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية من خلال أحداث تغير شامل في المضمون ونهج وسلوك السياسي الفلسطيني، لا يجوز إبقاء الوضع على ماهو عليه الآن وهذا يستدعي إعادة النظر في الحسابات السياسية
السائدة من خلال سحب الاعتراف المجاني في الإحتلال الإسرائيلي، وهذا يستدعي ضرورة تنفيذ قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطينى، ليس المطلوب مجرد التلويح في تلك القرارات بل تنفيذها المطلوب بدون مماطلة، وفي نفس الوقت الدعوة إلى الإنتخابات الفلسطينية المجلس التشريعي ورئاسية ومجلس وطني منتخب في الوطن والشتات وإعادة الإعتبار إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الشرعية والتنفيذية.
باعتقادي بأن هناك مئات المقالات والمقابلات الإعلامية للعديد من الشخصيات الفلسطينية المستقلة والفصائل الفلسطينية تؤمن في مضمون ضرورة تفعيل قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، ولكن للأسف الشديد فإن المعضلة تكمن في تغيب الدور المركزي الشمولي للقيادة الفلسطينية
بالاكتفاء ببعض المتنفذين داخل أروقة السلطة، في نهاية الأمر المشاهد الفلسطيني لا يحتاج إلى التوصيف وتحليل بمقدار ما يحتاج إلى عملية المراجعة الداخلية والإنقاذ الوطني.
عمران الخطيب
Omranalkhateeb4@gmail.com