سيظل الفيصل في البيان الوزاري لهذه الحكومة عن غيره من البيانات لحكومات سابقة ليس في الطول أو القصر أو اللغة أو حتى التأشير لمواقع ومكامن الخلل الجديدة والتي تزداد وتتفرع في كل يوم ولكن في قدرة هذا البيان من النزول عن الورق ومن الخطابة إلى التطبيق العملي ولو بنسبة تضمن له النجاح وتميزه عن غيره..
غلب على البيان طوله ودخوله على التفاصيل وكأنه يقدم جرداً لا يريد أن يترك منه شيئاً وهو تجميع لملاحظات السادة النواب الذين التقاهم الرئيس على مدار أسابيع في حوارات لم يترك فيها القلم أو الورقة في الدفتر الذي يضعه في جيبه ليس منذ كان رئيساً وانما قبل ذلك حين كان يختزن أوراقاً في رباط.
لاحظت أن الاطالة والشرح في كثير من لقاءات الرئيس لها علاقة بنزعته التعليمية فقد عمل مدرساً لسنوات ويحرص على أن يفهم عنه المتلقي فهماً صائباً بعيداً عن الاحتمالية وهذه النزعة لاحظها الكثيرون والرئيس لا يخفيها ولا يتفق مع أولئك الذي يتضايقون منها أو يتحسسون وكأن الرئيس يحاضر عليهم أو لا يتأكد من فهمهم المباشر والسريع..
أعتقد أن الدكتور النسور في بيانه الوزاري الذي طرحه على شكل برنامج ليأخذ أو يحصد ثقة النواب عليه وبنسبة ارادها مريحة وأرادها البعض الاخر متجاوزة خط الوسط ولو بنسبة قليلة في زمن لم يعد سهلاً حصد الاصوات أو تسجيل الأرقام العالية منها.
البيان خلاصة خبرة الدكتور النسور المحصلة من عمله الطويل في العمل العام ومن خبراته كنائب مخضرم ومزمن في البرلمان ومن جملة الملاحظات التي سجلها أثناء حواراته مع الكتل قبل تشكيل حكومته الأخيرة ومع السادة النواب في لقاءاته التي لم تنقطع حتى اللحظة من السادة النواب لنيل ثقتهم على هذا البرنامج..
ورغم كل الوعود فإن الدكتور النسور كما قرأت وعلمت يؤمن ببرنامج اصلاح سياسي متدرج ومتزن وايجابي لا يأخذ بحرق المراحل ولا يستعجل لأنه يعتقد أن المستعجل يعزل عن الجسم الرئيس لأغلبية المجتمع ويصبح كالمنبت الذي لا مسافة قطع ولا ظهراً أبقى.
ثمة تحديات تواجه الرجل فإن أفصح بشفافية عن حجم المشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها حكومته تحديداً زاد حجم الرفض لذلك حين يقدم الدواء المر لكثير من الحلول التي قد لا يدرك البعض الحاجة اليها وعدم الهروب منها للأمام وان أخفى أو ناور فإنه سيدفع الثمن مضاعفاً حين يأتي وقت الاستحقاق للمعالجة وتناول التفاصيل فكيف يمكن للدكتور النسور الذي لا تعوزه البلاغة والخطابة وحتى المنطق والرغبة في الحلول واتخاذ القرارات كما عرف عنه، كيف يمكن له أن يمضي في طريق قد لا يكون سالكاً بما يكفي ؟ وقد تكون سياسة التجاذب بين برلمان يريد أداءاً مختلفاً له في مراقبة الحكومة أمام ناخبيه وخاصة في محطة الأسعار القادمة وبين رئيس يريد أن يقلص حجم الوعود ويهبط بسقف التوقعات ليكون قادراً على الانجاز الواقعي والموضوعي وحتى يكون البرلمان ظهيراً وشريكاً مع الاخذ بعين الاعتبار أن لا تكون الكرة في ملعب النواب.. فهل تنجح المحاولة؟..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/البيان الوزاري لحكومة النسور
13
المقالة السابقة