إن لقرار الضم حال اتخاذه من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي تبعات كبيرة، يمكن إدراجها كما يلي : أولا، هو انتهاك خطير آخر من جانب «إسرائيل» للقانون الدولي، وسيشكل موضوعًا آخر ستنظر به محكمة الجنايات الدولية في إطار تحقيق متوقع ضد «الممارسات الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة عام 1967.
ما زالت مسألة «ضم» مناطق من الضفة الغربية، ومنطقة الغور، تتفاعل في الوسط «الإسرائيلي» ـــــ أحزابا، وجمهورا يهوديا ـــــ ليس من باب الرفض، إنما من باب التداعيات، والانعكاسات السلبية التي ستقع حال استصدار حكومة نتنياهو الائتلافية الجديدة إقرار «الضم»، على وضع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى لترطيب علاقتها مع عدد من الدول العربية عدا عن الرغبة الأميركية بتأجيل الموضوع برمته، أو القبول بــ»ضم» محدود، في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وحدة التنافس المتوقعة بين المرشح الجمهوري للمرة الثانية (دونالد ترامب)، والمرشح الديمقراطي (جو بايدن).
إن مظاهرات تل أبيب الأخيرة، التي وقعت، والتي خرج فيها نحو ستة آلاف ناشط (عربي ويهودي)، في ميدان إسحاق رابين وسط المدينة، رافضين لسياسة «الضم» وانعكاساتها تُعطي مؤشرًا مهمًّا على واقع التفاعلات الجارية في «إسرائيل» بصدد عملية «الضم». فهناك قوى سياسية وحزبية «إسرائيلية» داخل الائتلاف الحكومي، وافقت على مضض على عملية «الضم»، ومنها بقايا مجموعة (أزرق ـ أبيض) التي يرى رئيسها الجنرال بيني جانتس أن عملية «الضم» ستلحق الضرر الكبير في علاقات «إسرائيل» مع العديد من البلدان العربية، التي توجد لــ»إسرائيل» اتصالات وتواصل معها. كذلك حال حزب العمل (الماباي) حيث شارك عدد من نشطائه في مظاهرات تل أبيب، بمن فيهم عضوا كنيست.
كما خلص «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، في تلخيص نشره يوم الأربعاء في العاشر من حزيران/يونيو 2020 الجاري، إلى أن «المخطط الإسرائيلي» لضم مناطق واسعة في الضفة الغربية والغور (30% من مساحة الضفة الغربية) سيؤدي إلى لجم «خطوات متعددة الفوائد» بالنسبة لــ»إسرائيل»، تتمثل بتعطيل نسج «علاقات استراتيجية» بين إسرائيل ودول عربية براجماتية».
ووصف المعهد في تلخيصه «فرض السيادة» بأنها «صياغة ليّنة لضم إسرائيلي أحادي الجانب لمناطق» في الضفة الغربية، وهذه «خطوة غايتها خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة في الحلبة الإسرائيلية – الفلسطينية… وإذا لم تصمد السلطة الفلسطينية أمام تبعات الضم، وبينها غليان شعبي واسع، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إنهاء دورها وحلِّها». وحذر المعهد من أن نتائج ذلك ستكون بأن «تجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن 2.7 مليون فلسطيني الذين يسكنون في المناطق (المحتلة). وسيؤثر هذا التطور الإشكالي على طبيعة دولة «إسرائيل» من حيث الديمغرافية البشرية وانقلاب التوازن لأغلبية عربية، وتعني تلك الأمور تسريع التوجه إلى واقع الدولة الواحدة على كامل أرض فلسطين التاريخية» وهنا مكمن الهلع «الإسرائيلي» الآخر، من إمكانية أن تسير الأمور تلقائيًّا نحو الدولة الواحدة.
وفي حقيقة الأمور، ومن الناحية القانونية المتعلقة بالقانون والشرعية الدولية، لا فرق بين «فرض السيادة» و»الضم»، فالأمر سيَّان، عندما «تدوس» دولة الاحتلال الإسرائيلي على القانون والشرعية الدولية، وتواجه العالم من خلال تجاوزاتها. فالقانون الدولي يعتبر كل الضفة الغربية ومنطقة الأغوار مناطق محتلة، ويوجد للفلسطينيين حقوقهم الكاملة فيها، في سياق حقهم بتقرير المصير بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأرض المحتلة عام 1967.
إن لقرار الضم حال اتخاذه من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي تبعات كبيرة، يمكن إدراجها كما يلي : أولا، هو انتهاك خطير آخر من جانب «إسرائيل» للقانون الدولي، وسيشكل موضوعًا آخر ستنظر به محكمة الجنايات الدولية في إطار تحقيق متوقع ضد «الممارسات الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة عام 1967.
ثانيًا: سيفرض وراءه تصعيدًا أمنيًّا، وانفجارًا شعبيًّا في الشارع الفلسطيني. قد يؤدي لانتفاضة فلسطينية ثالثة، تدك ركائز الاحتلال في الضفة الغربية وصولًا إلى مدينة القدس المحتلة. وسيؤدي على الجانب «الإسرائيلي» لتشتت المجهود «الأمني الإسرائيلي».
ثالثًا: قد يدفع (الضم) للتوافق الميداني بين حركتي فتح وحماس، وهو ما سيعطي نتائجه بتغيير المعادلة الداخلية الفلسطينية، ويجعل من مواجهة الاحتلال وبالأشكال والأنماط والأساليب الممكنة، العنوان الأبرز. رابعًا: إن انفتاح المواجهة الواسعة مع الاحتلال، وهو ما سيكلف «إسرائيل» أثمانًا باهظة لجهة تحملها مسؤولية السكان الفلسطينيين، في الضفة الغربية، لجهة حياتهم اليومية، باعتبارها قوة احتلال. وسيغلق الطريق أمام إمكانية دفع عملية التسوية الغارقة أصلًا في سباتها العميق.
من جانب آخر، ومن الوجهة الأميركية، فإن الموقف الأميركي الرسمي، يتمنى من حكومة نتنياهو تأجيل موضوع «الضم»… لكن، ووسط الرغبة «الإسرائيلية» بإقرار «الضم»، وفي ظل وجود الضغوطات الأوروبية على الحكومة «الإسرائيلية»، والمواقف الدولية الرافضة لمخطط «ضم أجزاء من الضفة الغربية والأغوار»، رجحت مصادر أميركية إمكانية موافقة واشنطن على «ضم محدود» فقط في تموز/يوليو 2020 القادم. حيث قال مصدر أميركي مسؤول في إدارة الرئيس ترامب: «إنه سيتعين على إسرائيل تقديم الخرائط ومن ثم التفاوض مع الإدارة الأميركية لطرح أسئلة مثل: لماذا هذا في مصلحة إسرائيل حاليا؟ أو لماذا أنت مهتم حاليًّا بضم مناطق محددة؟» وفي الجانب الأميركي، أجرت لجنة الشؤون العامة الأميركية «الإسرائيلية» «لوبي أيباك» محادثات موجزة مع المُشرّعين الأميركيين، ووعدت بأن الدعم من الجهات المانحة والموالية لــ»إسرائيل» لن يتضرر إذا انتقد المشرّعون «الضم».
وعليه، الفلسطينيون أمام مرحلة صعبة، كذلك عموم الحالة العربية، وخصوصًا دول الطوق المجاورة لفلسطين، والمتضررة بشكل كبير من مشروع «الضم الإسرائيلي»، وخصوصًا الأردن، ومصر… وهو ما يفترض سخونة تدريجية قادمة على جبهة الصراع مع الاحتلال «الإسرائيلي». وقد تصل لحدود عالية تقترب من الانفجار.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com