يقف عسكري بجانب مدرعة على بوابة فندق من فئة الخمس نجوم ويحمل بدلا من السلاح الرشاش والهراوة، خوذته وباقة ورد.
باقة الورد يقدمها العسكري لمواطن أو زائر أو مقيم قررت السلطات حجره صحيا لمدة 14 يوما بعدما حضر إلى المملكة من الخارج في وقت كورونا. يحتاج المشهد فعلا إلى تأمل.
ليس لأن الدولة الأردنية قررت استضافة المحجور عليهم في فنادق راقية، ولكن لأن الوردة تقدم للأردني المشتبه بمرضه بدلا من الهراوة والذي حجزت حريته لأسبوعين بإطار ترفيهي سياحي حرصا على صحته وصحة المجتمع وبدون كلل أو ملل أو انزعاج.
يشاهد الأردني مثل كل عربي ومسلم ما الذي تفعله الجيوش بشعوبها. في الجوار فقط ثمة من يلقي البراميل المتفجرة على قرى بأكملها ومن يسحل المواطنين.
في منطقة مفعمة بإذلال الاحتلال والديكتاتورية والتسلط وجنرالات الفساد يبقى الأردني العسكري وحده تماما كالشامة على خد العروس.
لا أنتمي إطلاقا لمجموعات التسحيج ولدي ملاحظات بالجملة على إدارة ازمة الفيروس في الأردن ورصدت كغيري الأداء المراهق عند بعض الوزراء والاستعراضي.
لكن عندما يتعلق الأمر بالاحتراف والمهنية وتلك العلاقة الودية بين الخوذة والإنسان يبقى الجيش العربي الأردني أنموذجا مهما قلنا أو قال الآخرون.
فجأة استقبل مطار عمان الدولي في يوم واحد 5300 مواطن دفعة واحدة وتعهد الجيش بهندسة التعامل معهم ومع 36 فندقا خصصت كمراكز حجر صحية.
قرر الجيش بعد انقضاء فترة الحجر أن ينقل كل مواطن بكل كرامة من الفندق إلى منزله وذويه بسيارة مستقلة مع توسله وعائلته بأن يحجز نفسه منزليا لمدة 14 يوما اضافية.
شئنا أم أبينا..لا يحصل ذلك في العديد من دول العالم.
أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا يمكن ببساطة القول بان الأردن قد يكون البلد الوحيد الذي تستقبل فيه النساء قوات الجيش وهي تعزل مدينة بالزغاريت والتهليل.
سواء أثار الأمر شهية الاتهام المعلب ام لم يفعل فالشعب الأردني فقط يمكن أن تسمع مواطنا فيه يصف عزل مدينته عسكريا بالعبارة التالية.. «الجيش قرر تزيين إربد».
بالمقابل فقط في الجيش العربي الأردني يمكنك أن تسمع عبارة جنرال ترد قائلة..» جيشنا يتزين بأهلنا في اربد».
تلك عبقرية تعبير لا يعرف أسرارها في عمق المجتمع الأردني كثيرون وإن كانت تعكس العديد من الوقائع والدلالات والحقائق.
بكل حال نسوق كل تلك المقدمات ليس لامتداح الجيش فهو لا ينتظر من أحد أو جهة مديحا.
بل لنقول إن الأردن يواجه اليوم بنسبة تفوق ملموسة لا بد من الحفاظ عليها المواجهة مع فيروس كورونا شريطة أن ترتقي النخب والمؤسسة السياسية إلى تلك المعاني التي تجسدها القوات المسلحة وهي تختلط بالمواطنين مصابين ومخالطين وأصحاء.
نعم هي «أزمة» أفقية تجتاح أوصال الأردنيين حكومة وشعبا.
هي أزمة ينبغي أن تقرأ في سياق مفصلي تاريخي. وينبغي أن تتحول إلى «فرصة» بكل ما تعنيه الكلمة خصوصا وأن الشعب الأردني لم يخذل القرار وتحلق حول المؤسسات وصبر واحتمل الكثير في وقتي الرخاء والشدة.
يستحق هذا الشعب إظهار نخبه ودوائر القرار فيه قدرا من الاحترام والتقدير له على صبره وتعاونه ورعايته لكل رجل أمن أو عسكري أو ممرض أو طبيب حيث كشفت الأزمة عن الكثير وكانت كأعراض البرد عندما تصيب الجسد.
وحيث لا حجة عند صاحب قرار اليوم ضد المجتمع الأردني وشرائحه ومكوناته بما في ذلك المعارضة أو المناكفة أو النقدية أو الحراكية فكل الأصوات صمتت في وقت الأزمة وكل خلاف تأجل والأجندة الشخصية ذابت للصالح العام.
لا حجة للمواطنين على مؤسساتهم السيادية المحترمة.
ولا حجة لتلك المؤسسات على الوعي العام ووطنية البسطاء ونخب الشارع… هنا تحديدا تكمن تفاصيل الفرصة التي ينبغي أن تستثمر في أزمة أفقية تاريخية مفصلية أسس لها الوباء على شراسته وكلفه.
السؤال الوطني اليوم: كيف تتحول الأزمة إلى فرصة؟
في الإجابة أضم صوتي لقاعدة «حفار دفار» ووقف تقليب صفحات الماضي ووقف كل أنماط التدليس الرسمي والأهلي والانطلاق نحو المستقبل بعدما وحَد كورونا من غير قصد الأردنيين وكشف العورات، وغيَر وبدَل في الاعتبارات والتموقع والحالات النفسية والمالية والاجتماعية.
ليس أقل من «تصفير العداد» بكل المعاني والبدء من لحظة الفيروس لبناء حالة وطنية جديدة مستجدة تواجه المستجد الفيروسي وتبني على ما أسسه الجيش والأمن في العقل الجماعي للأردنيين بعيدا عن كل الهويات الفرعية والمناطقية.
على أجهزة الدولة أن توقف وفورا العبث بالهويات الفرعية فوردة الجيش حصل عليها الارجنتيني والعراقي والضيف والمصري قبل المواطن.
الاستثمار في البؤس والتناقض والهواة والشللية والرداءة والمزاودة ينبغي أن يتوقف أيضا وفورا، فالمشهد كشف للجميع أين الخلل ومن هم الوطنيون حقا.
ونفس المشهد ينبغي أن ينتهي بقطف بعض الرؤوس التي أينعت حقدا وتأزيما لتحمل مكانها نجوم الأردن الجدد الذين كشفتهم الأزمة.