عروبة الإخباري – شهد الأسبوعان الماضيان إبرام صفقات عدة بشأن سوريا، وبلغت ذروتها في قمة جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في إقليم سوتشي الروسي، الثلاثاء الماضي، لكن هل ستستمر الاتفاقية التركية الروسية الجديدة؟
فبعد ثماني سنوات من الحرب الدموية في سوريا، تحتفل موسكو وأنقرة بصفقة من 10 نقاط على أنها بداية النهاية، لكن الصفقة لن تعقد إلا إذا وافق المشاركون الآخرون في الحرب الأهلية في سوريا على التصرف وفقًا لخطة “بوتين- أردوغان”، بحسب مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية للكاتب كريس ميلر.
إذن.. ما الذي وافقت عليه روسيا وتركيا؟
من بين النقاط العشر للصفقة الرسمية تبرز عدة استنتاجات؛ أولاً: وافقت تركيا على وقف غزوها للأراضي السورية، وستسيطر على أراضٍ سورية أقل مما تسميها “المنطقة الآمنة”، والتي يبلغ عمقها 20 ميلًا، والتي أعلنت أنقرة في الأساس أنها ستقيمها في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد.
ثانياً: ستعمل روسيا مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد لإجبار وحدات حماية الشعب الكردي على التراجع بعيدا عن الحدود التركية السورية، وبالتالي معالجة بعض المخاوف الأمنية التركية.
ثالثًا: ستنفذ روسيا وتركيا دوريات عسكرية مشتركة داخل الأراضي السورية على طول شريط ممتد من الحدود. وإذا تم تنفيذ الصفقة على النحو المُصمم، فسوف يعزز ذلك سيطرة الحكومة السورية ويقلل من قوة وحدات حماية الشعب التي تمثل مصدر قلق رئيسي لتركيا.
لكن من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة ستمضي قدما، فقد تلتزم تركيا وروسيا بها، إلا أنه من المستبعد أن يلتزم المقاتلون الآخرون بالصفقة. فالأكراد كانوا أحد النقاط الرئيسية في مفاوضات بوتين وأردوغان وقررا أن “جميع عناصر وحدات حماية الشعب وأسلحتهم سيتم إزالتها” من مناطق معينة وأن “كلا الطرفين سيتخذان التدابير اللازمة لمنع تسلل العناصر الإرهابية”، على حد وصفهما.
بالتأكيد وحدات حماية الشعب، التي تشكل غالبية قوات سوريا الديمقراطية، لا تملك خيارا سوى الإذعان على المدى القصير. وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، سحب البساط من تحت القادة الأكراد، وانسحبوا هم بدورهم بعيدا عن جزء من الحدود.
لن تملك روسيا- حتى بعد نشر “الدوريات المشتركة”- القوات اللازمة لحملة متواصلة ضد وحدات حماية الشعب. ولا مصلحة كبيرة لروسيا في تقليص القوة القتالية للأكراد. وربما يملك الأسد القدرة على الضغط على وحدات حماية الشعب لنزع سلاحها، لكنه من غير المرجح أن يكون على مستعد ذلك. وسيكون من غير المنطقي استخدام الموارد النادرة لإخماد منافس أنقرة الأساسي في وقت لا تزال فيه تركيا وسوريا على خلاف بشأن العديد من القضايا الأخرى.
لذلك من الخطأ أن تعتقد أنقرة أن المسألة الكردية السورية مغلقة. صحيح أن الدوريات المشتركة المنصوص عليها في اتفاق بوتين – أردوغان يمكن أن تبقي وحدات وحدات حماية الشعب بعيدا عن الحدود. ولكن كما تعلم تركيا جيدًا، فإن الاحتفاظ بأراضي بجيش منظم ليس هو الطريقة الوحيدة التي يمكن للميليشيات الكردية شن الحرب عليها. كان صراع أنقرة المستمر منذ عقود ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) صراعًا في شكل حرب عصابات وهجمات ارهابية. يشن حزب العمال الكردستاني بانتظام هجمات بالقنابل في تركيا، وترد أنقرة بشن غارات على مخابئ حزب العمال الكردستاني في جبال شمال العراق. حتى إذا نجحت تركيا وروسيا وسوريا في قمع الوحدات المنظمة من وحدات حماية الشعب في سوريا، فإن الجماعات الكردية أقل عرضة للاستسلام من تبني تكتيكات حزب العمال الكردستاني. إذا استمرت الميليشيات الكردية في القتال، فستعود تركيا إلى تهديدات القوة لتأمين مصالحها.
إن موافقة الأسد أمر بالغ الأهمية إذا أريد للصفقة أن تعقد. أنقرة متفائلة بأن روسيا ستجبر الحكومة السورية على الموافقة على شروطها، على أساس أن الأسد عميل روسي. ومع ذلك، تتذمر موسكو بشكل متزايد من أن الحكومة السورية شريك صعب للعمل معها. لقد حصل الأسد بالفعل على أعظم هدية يمكن أن تقدمها روسيا: إنقاذ نظامه. بعد أن تم الانتهاء من هذا العمل. تحاول روسيا الآن تحصيل ديونها عن طريق الضغط على الأسد لتقديم تنازلات مع خصومه. لكن دمشق اليوم تحتاج إلى مساعدة روسية أقل من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، لأن المعارضة في حالة يرثى لها. لا شك أن الأسد ليس لديه أمل في الاحتفاظ بالسيطرة على جميع أراضيه دون دعم الكرملين. لكنه يمكن أن يحتفظ بمعظمها، بما في ذلك أكبر المدن، حتى لو غادرت روسيا غدًا. إن نفوذ روسيا على سوريا – وقدرتها على الضغط على التنازلات من الأسد – آخذ في الانخفاض.
وثمة تناقض واضح في الصفقة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية التي تفاوضت عليها قوتان خارجيتان دون تدخل الحكومة السورية. فعندما تقول أنقرة إنها تدعم السلام الإقليمي، فهذا يعني أنها تريد أن تكون سوريا موحدة بحكم القانون، لكن في المقابل أن يكون لتركيا مجالَ نفوذٍ فعلي على طول الحدود السورية والحق في ضمان عدم استخدام المقاتلين الأكراد لهذه الأرض كدولة لهم.
والأطراف المتصارعة في سوريا تعتقد أنها تستطيع تحسين وضعها بمزيد من القتال، وربما يكون انسحاب ترامب قد غيّر ميزان القوى في سوريا، لكن صفقة بوتين- أردوغان، من غير المرجح أن تنهي الحرب.