في هدأة الليل، أسندت رأسي إلى جدار الصمت، أحدق في العتمة من حولي. كانت ظلال الواقع تتقلص كأنها تنحسر في زاوية ضيقة. وفي أذني كان يتردد صدى همسات طالما حاولت أن تقنعني بأنني لا أستحق سوى هذا الواقع المحدود.
زعموا أن الخيارات التي تُعرَض علي ليست إلا سرابًا نسجته أيديهم بمكر وإتقان، وأن أيامي ما هي إلا صفحات كُتبت بحبر أوهامهم. وحاولوا أن يلبسوني ثوب الفساد المدنس، زاعمين أنني سيئ بقدر ما الفساد فاسد، وأن روحي لا تختلف عن أرواحهم المنطفئة.
تسللت تلك الكلمات إلى قلبي ذات ليلة، فأحسست بثقل اليأس يشد روحي إلى الأسفل. كدت أصدقهم حين رأيت كثيرين من حولي ينحنون تحت وطأة تلك الأكاذيب مستسلمين. أتراني أنا المخطئ وهم المصيبون، وهل يا ترى تجرأت على حلم أكبر مني ومن قدري؟
وفي غمرة حيرتي، انتفض صوت خفي في أعماقي وقال لي: “لماذا ترضى بالبقاء سجينًا في سجن صنعوه لك بأيديهم؟ أما علمت أن الروح التي في داخلك ولدت حرة أبية؟ أوليس في صدرك جناحان يشتاقان إلى فضاء بلا حدود؟”
تمتمت بصوت مرتجف: “ولكن كيف لي أن أطير وجناحي مكبل بقيود صنعوها لي؟ لقد ظننت أن الضعف الذي فرضوه علي هو قدري، وأن الظلمة من حولي قضاء لا مفر منه.”
فأجابني الصوت بنبرة واثقة: “إن جناحك لم ينكسر، بل هو مخدر بوهم العجز. عزز إيمانك بنفسك، وسترى القيود تتساقط عنك كأوراق الخريف.”
خيم صمت عميق بعد كلام ذلك الصوت، لكن كلماته بقيت تتردد في داخلي كصدى الحقيقة. وفي تلك اللحظة شعرت كأن شعاعًا من الفجر قد تسرب إلى سجني المظلم. انجلت الغشاوة عن عيني فرأيت الشقوق في جدران الوهم التي أحاطوني بها. وأدركت أن تلك القيود ما كانت لتملك قوة علي إلا بمقدار ما منحتها من تصديقي بها.
عندئذ اضطربت روحي في صدري كطائر سجين أدرك فجأة أن باب القفص مفتوح. شعرت بقوة خفية تسري في عروقي؛ تلك هي قوة الإيمان بذاتي وقد بدأت تستيقظ من سباتها الطويل. تحول حزني الساكن إلى نار متقدة، ولم يعد صمتي صمت العاجز بل أصبح صرخة حق في وجه الباطل.
ما أقوى الإنسان حين يوقن بقدراته ويؤمن بطموحاته! لقد تبين لي آنذاك أن أي قيود مصطنعة، مهما بلغت من الإحكام، تعجز عن إخضاع إنسان آمن بذاته وبطموحاته.
وفي نهاية المطاف، وجدتني واقفًا على أعتاب فجر جديد. تناثر من حولي حطام القيود التي أوهموني بها يومًا، وفوقي سماء الحرية تتسع بقدر ما في قلبي من إيمان. أدركت أنني ما دمت أملك نفسي وإرادتي، فلن أسمح لتلك الأوهام أن تسجن روحي مرة أخرى، فروحي خُلقت حرة ولن يطوق طوق الزيف عنقها أبدًا.
طموح غير مقيّد… ملامح امراة صاعدة
11