عروبة الإخباري – طلال السكر –
تتناول الدكتورة فلك مصطفى الرافعي في مقالها قضية جوهرية تمسّ روح العبادة في الإسلام، وهي ماهية الأذان؛ هل هو مجرد وظيفة أم رسالة سامية؟ وقد عرضت رؤيتها بأسلوب يجمع بين الطرح الأدبي العميق والرؤية الفقهية والاجتماعية المتوازنة.
يتجلى في المقال عمق الوعي الديني والتربوي الذي نهلته الكاتبة من نشأتها في بيت علم وأدب، فطرحها لم يقتصر على الجانب الفقهي البحت، بل تضمن بعدًا جماليًا وروحيًا، عكس مدى إدراكها لأهمية الأذان كوسيلة اتصال بين العبد وربه، بل وبين أفراد المجتمع بمختلف معتقداتهم.
قيمة الأذان بين الجمال والتأثير
تلفت الكاتبة النظر إلى مسألة جمالية الصوت في الأذان، حيث تسوق مثالًا لرجل غير مسلم كان يجد في الأذان مصدر سكينة حتى تغير صوت المؤذن، فينقلب الشعور الروحاني إلى حالة من النفور. وهنا تطرح إشكالية توظيف الصوت الجميل في الأذان، وهو أمر يتفق مع ما ورد عن النبي ﷺ في استحسانه لأصوات معينة في تلاوة القرآن والأذان، كما هو الحال مع بلال بن رباح الذي ارتبط أذانه بقيام الدولة الإسلامية.
وفي هذا السياق، تقدم الدكتورة فلك اقتراحًا وجيهًا بتخصيص الإمامة في الصلوات الجهرية لمن حباهم الله حسن الصوت، بينما يمكن إسناد الإمامة في الصلوات السرية لذوي الأصوات المتواضعة، وهو طرح يستحق التأمل، إذ يجمع بين روح العبادة ومتعة الإنصات.
إشكالية توحيد الأذان
من القضايا الهامة التي طرحتها الكاتبة، مسألة توحيد الأذان في المساجد، حيث تشير إلى ضرورة ضبط مواعيد الأذان وفق المكننة الدقيقة لتفادي الفروقات الزمنية التي قد تؤثر على التزام المسلمين بمواقيت الصلاة، لا سيما في شهر رمضان. ومن الأمثلة التي تدعم هذه الفكرة، ما ذكرته عن فروق التوقيت بين طوابق برج خليفة، وهو استشهاد علمي يبرز أهمية الدقة في ضبط المواقيت.
بين الوظيفة والرسالة
المقال يرسّخ بقوة فكرة أن الأذان ليس مجرد وظيفة روتينية يؤديها المؤذنون، بل هو رسالة تحمل في طياتها أبعادًا دينية وروحية واجتماعية. فالأذان دعوة شاملة للحياة الروحية للمسلمين، يمتد تأثيره إلى غير المسلمين، ما يجعله جزءًا من الهوية الإسلامية التي يجب الحفاظ عليها بحرص ودقة.
في الختام فقد، نجحت الدكتورة فلك الرافعي، بامتياز في تقديم رؤية متكاملة حول الأذان، بربطه بالجمال الصوتي، والتأثير الروحي، والضبط الزمني، مؤكدة أنه رسالة لا ينبغي أن تفقد أثرها وسط الأداء الوظيفي المجرد. ويبقى التساؤل الذي طرحته مشروعًا: هل نؤدي الأذان كواجب أم نعي أبعاده كرسالة تلامس الأرواح؟