عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
لا أصدق أني لن اراه مرة أخرى .. لقد فقدناه بسرعة ودون سابق انذار
فقط کان مرشحاً أن يغيب يوماً أو يومين، ثم يعود فقد و اظب على حضور مستمر في خيمة (مضافة) قريبه عبد الحي المجالي، ابو نادر التى جعلها ملتقى سياسياً واجتماعياً لكثير من شباب المجالي واصدقائهم، وقد نشطت الخيمة اثناء الاتنخابات النيابية وتشكيل الأحزاب السياسية، ودعى صاحبها ومؤسسها أعضاءها إلى حوارات كنت أديرها بتكليف من الحاضرين، وقد كانت تلك الحوارات نافعة ومضيئة لجوانب من الحياة الحزبية، الى جانب دعوة لقيادات وشخصيات عامة وسفراء دول عربية واجنبية.
أعود الى ذكر الراحل العزيز سيف بن حابس بن رفيفان المجالي، الذي أحس الحاضرون … ومن معه كل ليلة بفجيعة رحيله.
كنا التقينا قبل رحيله بليلتين في الخيمة وعلى عشاء كان يتكرر في كل ليلة، وكان العشاء محبباً لسيف ان فيه أكلة “الحويرنة الشبسة او التشبسه” … هكذا تلفظ، وهي نبات أخضر له مذاق حار، غالباً ما ينبت بعلاً وأصبح يزرع بكميات تجارية، ويؤخذ فيكبس أي يصنع منه كبيس مع اللبنة والفلفل، وهي أكلة نادرة ولها محبون، كما كان يتيسر على المائدة أصناف أخرى تعبر عن كرم صاحبها.
كان سيف صاحب حضور أحبه الجميع، وقدروا أخلاقه وتواضعه ونخوته، وكان صاحب ذاكرة جيدة فيها قصص مهمة، أكثرها عن والده المشير حابس باشا حين كان قائداً للجيش العربي كما كان شاهداً على فترات مهمة من التاريخ الأردني، وهو اي حابس من الأسماء القليلة التي اقتحمت الاغنية الشعبية الأردنية، وقد غنت له الأردنيات كما عرفت أغاني الربابة، اسم حابس، وهو يقاتل في باب الواد دفاعاً عن القدس، كما ذكرت له مواقف وطنية صلبة وحوارات عديدة مع الملك الراحل الحسين الذي كان بقربه ويستمع اليه، وكان حابس ممن الف ووضع بعض الأغاني التراثية،
كنت دائما أرغب في أن أكتب عن حياة حابس المجالي من خلال مقابلته، وكنت التقيته عند طريق عبد الحي في مزرعته في الغور، وحتى حين كان مريضاً في المدينة الطبية قبل وفاته، ولكنه كان يمتنع أن تكتب مذكراته، ويقول (حين أرحل يستطيع من يريد أن يكتب عني والتاريخ هو الفيصل.)
كان سيف الذي كان أقرب ابناء حابس اليه وأكثرهم قرباً منه ومرافقته له يحمل الكثير من صفات والده فقد تربى سيف، أبو طارق، في القصر، وعمل في التشريفات الملكية وفي رئاسة الوزراء ومواقع اخرى، كما جرب ان يكون مزارعاً في غور الصافي والذراع حيث ارض والده.
ويحمل سيف عقلية جدية وحديثة ومتفتحة، ولكنه ظل دائماً يحترم العادات والتقاليد ويتمسك بالكثير منها، ويبدي اعتزازه بها، وكان يريد لابنائه أن يتمسكوا بها ايضاً، ولم يكن يرى أن ذلك يتعارض مع تعلمه في جامعات غربية.
كنت استمع اليه في كثير من القصص والروايات المهمة في مسيرة وتاريخ الأردن الحديث، حيث يكون لأي رواية اكثر من سردية، وكنت اثق برأيه وروايته، فقد كان شاهداً على كثير منها وكان يتحدث فيها بمعرفة ووعي.
ظل أبو طارق وفياً لاصدقائه ومحبا وظل التزامه بالصدق، يكلفه الكثير في علاقاته، كان دائماً يرفض المزايدة او المناقصة، ولم يكن يزاحم على منصب أو ظيفة، فقد كان مكتفياً أنه قدم وعمل، سواء نال ما يستحق أو لم ينل.
يغيب سيف المجالي ولديه روايات كثيرة وقصص ووقائع، كنت اتمنى ان يدونها، وهي تتعلق بوالده وبفترات مهمة من التاريخ الأردني وحركة الشخصيات السياسية فيه.
كان رحيله مفجعاً، فقد كان يحرص أن يحافظ على صحته وقد كان يأتي في المساء الى الخيمة بعد أن يمارس الرياضة، وخاصة رياضة المشي، في نادي السيارات الملكي، حيث عضويته وكان نحيفاً لا يشكو أية أمراض، ولذلك لم يستأذن وقد غاب ولم يعد، إلا خبرا مفجعا نقل لنا وكان.
أبو طارق فقيدا ليس لأهله المجالي أو عائلته الصغيرة من ابناء وزوجته وإنما لعموم اصدقائه الذين يتذكرونه ويتذكرهم باستمرار في حلّة وترحاله.
سجلت له هدوءه وادبه في الحوار وتواضعه ومحبته للناس ودفاعه عن معتقداته وعدم انصرافه للاشاعة.
لم يكن متكالبا على الدنيا، فقد كان .. في حدود أن يعيشها بسلام وان يحفظ فيها سيرة طيبة
رحمك الله يا أبا طارق والعزاء كل العزاء لأهلك واسرتك ومحبيك الذي ندعو لهم بالصبر والسلوان، وأن يتغمدك الله برحمته.